فلسطين أون لاين

​متابعة الشباب لأخبار المشاهير.. حسرةٌ و"آهاتُ" تمنٍّ

...
صورة تعبيرية
غزة - هدى الدلو

في هذا العالم الصغير الذي أصبح كتابًا مفتوحًا للجميع، لمتابعة ومشاهدة كل ما يحلو لهم، خاصة فئة الشباب الذين تأسرهم أخبار الفنانين والمشاهير؛ إذ يتابعون مستجداتهم بكل شغف وهوس، ليصبح حال الشباب وخاصة الفتيات يرثى له، فكلما رأوا صورةً أو سمعوا كلمة لأحد المشاهير أصبحت متداولة على ألسنتهم فتنقلب موازينهم، فأصبحوا مدعاةً للشفقة عليهم وهم يتابعون سفر فلان وملابس علان، وإنجازًا لهذا وذاك، وهم لا يملكون سوى آهات التمني، فيحترقون بداخلهم ويشعرون بحسرة، فما الدافع من متابعة أخبار المشاهير رغم خلوها من الفائدة؟ وما تبعات ذلك؟ هذا ما نتحدث عنه في السياق التالي:

مقارنة تعيسة

تقول كفاح رامي: "إن سبب انتشار هذه الظاهرة هو الحالة المأساوية في قطاع غزة التي أوقفت حال الكثير من الشباب والفتيات، ومنعتهم من الوصول إلى تحقيق أحلامهم، إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي التي يسرت الحصول على كل ما يريده الناس".

وأضافت: "نرى صور المشاهير في الهواتف الذكية لبعض الشباب؛ فيتابعون آخر مستجداتهم أولًا بأول، والذي يزيد الطين بلة أننا نجد فتيات تعقد مقارنة بين حياتهنّ وحياة المشاهير، ليعشن في كآبةٍ وحزن، وحسرة على الحال".

وأشارت رامي إلى أن الكثير منهم يلغي شخصيته الحقيقية ليتطَّبع بقالب الفنان أو المشهور الذي يتابعه، بصرف النظر إذا كان يناسب الواقع الذي يعيشه، والعادات والتقاليد، فأصبح الوصول إلى عالمهم ومعرفة أخبارهم سهلًا وميسرًا.

في عالم يغري الفتيات أكثر من الشباب، بينت خلود عبد الرحمن أن سبب متابعتها لأخبار المشاهير والفنانين؛ هي العناوين المغرية التي يضعونها على صفحاتها، وتروج لها المواقع الإخبارية التابعة لهم.

وأشارت إلى أن نظام الدعاية التجارية والترويجية للمشاهير وصفتها بـ"الفظيعة" من خلال جلسات التصوير، والملبس وطريقة العرض كل ذلك من شأنه أن يجذب فئة الشباب، وبالأخص عندما يكون ذلك المشهور شابًا ووصل إلى تحقيق أحلامه في عمر صغير.

وإلى جانب ذلك هناك تأثر كبير لما ينشر من مقولات لشعراء أو مشاهير وكأنه "بيع كلام" يرفع من معنويات البعض، ويحبط آخرين.

حب الظهور

ومن جهته، يقول الأخصائي النفسي والتربوي إسماعيل أبو ركاب: إن حب الظهور وسيطرة الأنا هي من الدوافع المركزية في شخصية أي إنسان، فالميل إلى الانتماء الفكري والسلوكي مع الآخرين هو ميل طبيعي، ولكن جاء الإسلام لينظم ذلك الميل فيما يخدم الفرد والآخرين, فقد وضع ميزانا دقيقا لذلك التصرف، وهو النية والمقصد لأي عمل.

وأشار إلى أن أبرز ما يميز فترة الشباب حبهم للكمال العاطفي أو السلوكي، موضحًا: "للأسف الشديد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي جعلت من بعض الميول الشخصية للشباب ميولا جماعية منحرفة وغير سوية، ولا نريد أن نجعل من نظرية المؤامرة السبب الرئيس لتلك السلوكيات رغم إيماننا العميق بذلك".

وقال أبو ركاب: "ولكن فيما يتعلق بالخلل الحاصل في بعض جوانب الشخصية للشباب مثل الجانب الفكري والذي ينبع منه الميل لمتابعة المشاهير، نابع من التقليد الأعمى في الشكل والسلوك والأفعال، وقد يكاد لا يختلف اثنان أن هذا الميل أصله وجذوره فطرية.

وقال: "إذا سألنا أنفسنا لماذا الفتيات بشكلٍ أخص لوجدنا أن الفتيات في سن الشباب يمِلن إلى حب الظهور الاجتماعي والتباهي ومتابعة كل شيء من شأنه أن يميزها عن غيرها في المظهر أو الفكر".

وأضاف: "إذا ركزنا النظر أكثر نجد أن الواقع المعقد في مجتمعنا العربي لا يلبي احتياجات هذه الفئة، وخصوصًا مع ظهور طرف آخر ينادي بالتحرر والخروج إلى بيئة العمل، والعدل والمساواة بالرجل؛ فتجد هذه الأفكار صداها في عقول الفتيات، والدليل الواضح لذلك الميل إلى كل ما يمثل قالب التحرر والرقي والشهرة".

وأوضح أبو ركاب أن تأثيره يمتد إلى خلق حالة الانفصام الاجتماعي في الشخصية، والاستغراق لفترة طويلة في أحلام اليقظة، وفي التفكير في اللاواقع، والبعد عن إرضاء الذات من الأمور التي من الممكن أن تدمر مفهوم وفكرة الشخص عن ذاته، فحب الذات والاقتناع بها وبالواقع المحيط بها من علامات الصحة النفسية.

ولفت إلى أن البحث عن الشهرة وإتباع المشاهير والتشبه بهم علامةٌ تشير إلى النقص في الثقة بالذات، وقد يظهر هذا الأمر عند تعرض الشخص لضغوط الحياة حينها يشعر بحتمية البحث عن منفذ للنجاة، "وباعتقادي المنفذ الوحيد هو القلق والاكتئاب والتفكير في إنهاء الحياة لتنتهي بذلك فصول المعاناة".

وبين أبو ركاب أن الشباب المُلاحِق لأخبار المشاهير بشغف، يبدو منفصلًا عن عائلاته، فلا علاقات سوية تشعرهم بالاهتمام، وتملأ حياتهم بالإيجابية وتشعرهم بالتقبل والتوافق، محذرًا من أزمة القدوات والجفاء الواضح بين فئة الشباب وأصحاب القرار، أو الطبقة المثقفة ما يزيد من عبء الضغوطات على الشباب.

ولفت إلى أن المتابعة المستمرة للمشاهير تجعلهم في حسرة دائمة على واقعهم ومستقبلهم، كما تتملكهم لحظات التمني, ومع تكرار الإحباطات التي يتعرض لها الشخص تجعله يحقد على المجتمع والواقع وحتى على ذاته.

وختم أبو ركاب حديثه: "ومن التبعات الخطيرة الانحراف الفكري والسلوكي الذي يقود إلى بعثرة الطاقة الإيجابية للشباب، ويغير في النظام العام للبناء القيمي لأي مجتمع، وتلك الطاقة المهدورة تعد بمثابة القوة الكامنة للتغير, كما تشتت الفكر وتجعله لاهثًا خلف السراب الذي هو من أهم المسببات لتمزيق الصورة المشرقة للشباب، وخصوصًا أننا بحاجة لجميع الجهود لتحرير الأرض والمقدسات".