يتزامن اليوم العالمي لحقوق الإنسان هذا العام في الذكرى السبعين لإعلان الأمم المتحدة لهذا اليوم، مع استمرار تدهور حالة حقوق الإنسان العامة على الصعيد الفلسطيني، واستمرار انتهاكات مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، المنبثقة عنه، وقواعد القانون الإنساني الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة. وربما يعتبر هذا العام الأكثر سوءاً على مستوى التدهور الكارثي لأوضاع حقوق الإنسان الفلسطينية، والناجمة أصلاً عن استمرار انتهاك سلطات الاحتلال لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، كحق جماعي، والتنكر لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم التي تتيح لهم السيطرة على ثرواتهم ومواردهم الاقتصادية.
ربما يدفع الشعب الفلسطيني ثمن التمسك بمبادئ حقوق الانسان، بما في ذلك الاعلان العالمي لحقوق الانسان، تلك المبادئ التي أقرتها وثيقة اعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988... وما يعنيه ذلك من التزامات محلية واقليمية ودولية.. ولعل الاحتلال أكثر من يستغل هذا الموقف الفلسطيني من هذه القيمة الإنسانية ويوظفها لصالح جرائمه وفاشيته المتصاعدة كما ونوعا تجاه شعبنا وأرضنا.
لا شك أن سلطات الاحتلال تستمد سياسة الخرق للقوانين والاعراف والقرارات الدولية من الدعم المطلق الذي تتلقاه من الولايات المتحدة الاميركية وخاصة ادارة "ترامب"، وضعاً قائماً على أساس الفصل التام للأراضي الفلسطينية المحتلة عن بعضها البعض، وواصلت ارتكاب جرائمها ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم لتزيد من اقتراب الوضع الفلسطيني برمته إلى مستوى النكبة الجديدة. ففي الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس المحتلة، تواصل السلطات الحربية المحتلة، وبدعم متواصل لمجموعات المستوطنين المتطرفة، عمليات التوسع الاستيطاني وابتلاع المزيد من أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم. ويترافق ذلك مع إقرار واقع جدار الضم، الذي يبتلع نحو 58% من أراضي وممتلكات الفلسطينيين، وبشكل حول حياتهم على ما تبقى من تلك الأراضي إلى معازل، وفي وقت تتواصل فيه عمليات التطهير العرقي لمدينة القدس لتهجير سكانها الفلسطينيين قسرياً وسط غياب أبسط آليات الحماية الدولية للفلسطينيين وممتلكاتهم. وبات التوصيف الدقيق للأوضاع القائمة فيها هو صورة نظام أبارتايد من طراز فريد.وفي قطاع غزة تبدو الصورة أكثر قتامة في منطقة يقطنها نحو مليوني نسمة، وتصنف كأحد أكبر أنماط الكثافة السكانية عالمياً، حيث تستمر سلطات الاحتلال في عزلها عن امتدادها الجغرافي المتواصل مع الضفة الغربية المحتلة.وتستمر جرائم القوات الحربية الإسرائيلية في قطاع غزة، تارة عبر اعتداءات عسكرية شاملة، ومن خلال فرض الحصار الشامل غير القانوني على سكان القطاع المدنيين، والتي تمثل عقاباً جماعياً وجرائم ضد الإنسانية بموجب قواعد القانون الإنساني الدولي.وقد عانى الفلسطينيون في القطاع انتهاكاً متواصلاً لحقوقهم وحرياتهم الأساسية جراء تلك الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي تسببت في سقوط آلاف القتلى والجرحى، فضلاً عن التدمير المنهجي والمنظم لممتلكاتهم وأعيانهم المدنية، بما فيها المباني السكنية والمرافق الحيوية والبنى التحتية لمدن وقرى ومخيمات القطاع.وتتفاقم الأوضاع الإنسانية وتتردى بسبب القيود الشديدة المفروضة على حرية حركة وتنقل السكان والتجارة من وإلى القطاع، في وقت تتدهور فيه حقوق السكان الاقتصادية والاجتماعية بشكل غير مسبوق، لتصل إلى حافة الكارثة بسبب النقص الشديد في إمدادات الطاقة والوقود والخدمات الأساسية الضرورية للحياة الطبيعية لسكانها.وتستمر مشاعر الإحباط واليأس تتملك الآلاف من البشر الذين باتوا غير قادرين على الحصول على أبسط مقومات الحياة الإنسانية من الغذاء والدواء والمأوى الملائم بسبب تفشي البطالة والفقرالمدقع بين سكانه.وتنعدم أي آفاق حقيقية في الأفق القريب لتدخل فوري وعاجل للمجتمع الدولي لوقف النزيف والمعاناة الإنسانية، والتي لم تكن يوماً ما نتاجاً لكارثة طبيعية أو وباء صحي، بل هي نتاج السياسات المنهجية والمنظمة المستمرة لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، والتي تحارب الفلسطينيين في وسائل عيشهم، في ظاهرة فريدة من نوعها للإفلات من العقاب والمساءلة بسبب الحصانة التي توفرها بعض الدول، وتعمل على حماية كافة المتهمين باقتراف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من قبل المجتمع الدولي.
لقد حان الوقت للمجتمع الدولي وخاصة الامم المتحدة أن تدافع عن ميثاقها وقراراتها واعلاناتها خاصة اعلان حقوق الانسان الذي يتم خرقة من قبل الاحتلال الاسرائيلي وكذلك الولايات المتحدة الاميركية ليل نهار أمام مسمع ومرأى العالم بأسره. كما على الامم المتحدة توفير الحماية لشعبنا من الانتهاكات الاسرائيلية المتواصلة والتي طالت البشر والحجر والشجر لأن صمت الامم المتحدة وعدم اتخاذها اجراءات عملية ضد دولة الاحتلال يشجعها على مواصلة انتهاكاتها التي يندى لها جبين الإنسانية.
كما أن على الدول التي تدعي الديمقراطية وحقوق الانسان زورا وبهتانا مراجعة سياساتها التي في حال استمرارها ستضع العالم برمته أمام خطر انعدام الامن والسلام والاستقرار والعودة لشريعة الغاب التي ستدمر الحضارة العالمية التي بناها الانسان على مر العصور وستعود البشرية جمعاء الى مرحلة ما قبل التاريخ البشري.
--