رصاص المقاومة أبلغ في سرد الحقيقة الفلسطينية، وأمام بلاغة وبيان الرصاص الفلسطيني الثائر, تصمت كل الخطابات وتخرس كل المؤتمرات, فالقانون الأبدي لأحرار البشرية قاطبة، ينص على أن مخاطبة الاحتلال لن تكون مجدية إن لم تمر عبر فوهة البنادق، التي تتقن الدفاع عن الأرض والشعب، لم يُكتب في التاريخ أن احتلالًا ما قد أنهى احتلاله وعدوانه بلقاء عشاء أو مؤتمر سلام، والشعوب الواقعة تحت الاحتلال لا ترضى بزعامة متراخية متساهلة متقاعسة عن ردع العدوان ومقارعة الاحتلال، وهل يكون هناك مشروع وطني خالص وينال رضا المحتل وموافقته؟ يسقط كل ادعاء بزعامة للقضية أو حماية لمشروع الوطن، إذا صافحت اليد مدعية التمثيل للشعب، بيد القاتل المحتل المغتصب، وبهذا السلوك تراه مغردًا خارج أسراب الجماهير الثائرة، ويحوم في فضاءات المجهول، ويدور حول السراب السياسي في صحراء التيه الصهيوأمريكي، ويدعي زورًا انتمائه لأسراب الثورة التي لا تنقطع عن معينها الصافي من بندقية الشيخ القسام إلى بندقية أشرف نعالوة، ذرية الأحرار بعضها من بعض على الأرض المباركة.
وقف خطيبًا في رام الله، وأعلن بصراحة بأنه لا ينتمي لجموع المؤمنين بالسلاح أو الصواريخ أو الطائرات، رئيس السلطة محمود عباس خلال جلسة المجلس الاستشاري لحركة فتح, انخلع علنًا وتخلى أمام كاميرات البث المباشر، عن تاريخ طويل من التضحيات والمقاومة، قادته حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، ماذا يريد السيد عباس بهذا القول الصريح؟ هل يوجه رسالة للإدارة الأمريكية؟ وقد أعلن في خطابه عن صحبة بينه وبين ترامب، وأي صحبة تلك التي تتشكل سريعًا في لقاء عابر؟ يريد السيد عباس أن يجدد الصحبة بالتخلي عن أي مسؤولية في الهزيمة المدوية لأمريكا ومشروع قرارها في الجمعية العمومية، والذي حاول إدانة المقاومة الفلسطينية, أما هي رسائل السيد عباس لرئيس حكومة الاحتلال؟ بأن السلطة ضد المقاومة المسلحة ولا تؤمن بها مطلقًا، وما حدث في الأمم المتحدة خارج قناعاتها، لذا حاول السيد عباس التذكير باتصاله بالمجرم نتنياهو، مقدمًا التعازي بقتلى عملية بوابة المسجد الأقصى فور وقوعها، والتي نفذها الشهداء (المحمديون) من أبناء عائلة جبارين.
بعد هذا الخطاب الفاقد لأي رؤية سياسية تحوز الإجماع الوطني، خطاب يفتقر لأبجديات الزعامة التي تخوله قيادة شعب يسعى نحو حريته، بعد ساعة تقريبا من خطاب المقاطعة، كانت الكلمة الفصل لرصاصات انطلقت من بنادق ثائرة على واقع الهزيمة وثقافة الخنوع، رصاصات تنال الإجماع والقبول من الكل الفلسطيني، وتحوز الترحيب والفرح من القلوب المكلومة والنفوس الموجوعة، وهي ترى إطباق المحتل على ضفة الأحرار بدورياته واقتحاماته وحواجزه وقد زادت عربدة مستوطنيه الأوباش بلا رادع، وتواترت جولات التدنيس للأقصى المبارك، فليس من سبيل إلا أن تنهض السيوف من غمدها، ويزغرد الرصاص معلنا السيادة الفلسطينية على هذه الأرض فالقوة هي سياج الحق، العملية الفدائية قرب مستوطنة "عوفرا" المقامة على أراضي بلدتي سلواد وعين يبرود شمال شرق رام الله، والتي أسفرت عن إصابات محققة في صفوف المستوطنين، تأتي ممارسةً للحق الفلسطيني وتأكيدًا لتمسك شعبنا بهذا الخيار في مواجهة الاحتلال واقتلاع الاستيطان، ورفضًا لكل الأصوات التي تحاول نزع الغطاء عن شرعية المقاومة وسلاحها، أو تسعى لشيطنة عملياتها الفدائية ووصفها بـ"الإرهابية"، بين الخطاب المبتور والرصاصات ذات الجذور، تتصدر زعامة المقاومة للمشهد الوطني الفلسطيني، فلا قضية دون مقاومة ولا حقوق تعود دون مقاومة، ولا تحرير يُنجز دون مقاومة ولا حرية واستقلال دون مقاومة.