تمر اليوم الذكرى الـ31 لاندلاع شرارة انتفاضة الحجارة الكبرى من مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، بعد أن دهس سائق شاحنة إسرائيلية مجموعة من العمال الفلسطينيين، في 8 ديسمبر/ كانون الأول 1987، لتكون الحجارة السلاح الأول في مواجهة مخرز ورصاص الاحتلال الإسرائيلي.
ومن أبرز ما ميز الانتفاضة، العصيان المدني ضد الاحتلال، واتخاذ الحجارة سلاحًا وأيقونة والاشتباك بها بمواقع التماس مع الاحتلال، مع إشعال إطارات السيارات تعبيرًا عن الغضب الفلسطيني.
وتولى تلك التحركات مجموعات شبابية، وأهالي مخيمات اللاجئين المنتشرة في قطاع غزة، ثم انتقلت إلى الضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة عام 1948، وشهد خلالها انطلاقًا رسميا لحركة المقاومة الإسلامية حماس حيث انطلقت في ذلك الوقت العمليات الفدائية، واختطاف جنود الاحتلال، وقتل عدد من العملاء وملاحقة سماسرة الأراضي، مع فصائل وطنية.
ووفق إحصائية لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، فقد قتل خلال الانتفاضة 160 إسرائيليا أغلبهم جنود، وتنوعت أدوات قتلهم بين السكين طعنا، ورشق الحجارة أو إطلاق النار المحدود، في حين استشهد نحو 1162 فلسطينيا بينهم نحو 241 طفلا، وأصيب نحو 90 ألفا آخرين، فضلًا عن تدمير ونسف 1228 منزلا.
ومع حلول تلك الذكرى، يواصل الفلسطينيون تمسكهم بمقاومتهم، بأشكالها المختلفة، الشعبية والمسلحة، والقانونية والدبلوماسية، حسب ما تحتاجه المرحلة ويتناسب معها، متمسكين بإرادتهم القوية في دحر الاحتلال والعودة إلى أرضهم التي هجروا منها.
ويرى الكاتب والمختص في الشأن الفلسطيني، ناجي الظاظا، أن انتفاضة الحجارة أعادت الشعب الفلسطيني إلى حالته الطبيعية من الكفاح من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعد أن توزعت فصائله المسلحة إلى دول الجوار.
وقال الظاظا في حديث لصحيفة "فلسطين": "إن الانتفاضة الأولى لا تقاس بالأسلحة التي استخدمت فيها، بل بالإرادة التي امتلكها المنتفضون ضد ممارسات الاحتلال واعتداءاته على العمال والمواطنين في المخيمات والأحياء الفلسطينية".
وأضاف أن "شعبنا شاهد عمليات الإذلال للعامل الفلسطيني، ودوريات الاحتلال تجوب القرى والمدن وتهين المواطنين في الساحات العامة، لتأتي حادثة دهس العمال وتكون الشرارة التي أطلقت على البارود الكامن في الشعب الفلسطيني".
وأوضح أن انتفاضة الحجارة أعادت للشعب الفلسطيني هويته الكفاحية التي كادت أن تضيع، بفعل إجراءات الاحتلال وفتح أسواق المال أمام المواطنين، ومحاولته رسم صورة جديدة للجندي الإسرائيلي.
وقال: "الانتفاضة أعادت الصورة الحقيقة للجندي الإسرائيلي المتوحش، الذي يطلق النار على طفل يحمل حجرًا"، مؤكدًا أن إرادة التحرير ورفض الاحتلال ما زال الشعب الفلسطيني يمتلكها كما امتلكها قبل 31 عامًا.
ولفت إلى أن الاحتلال قبل 31 عاما وقبل 70 عاما هو نفسه الذي ينكل بالفلسطينيين المشاركين في مسيرة العودة وكسر الحصار قرب السياج الفاصل بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
وأضاف أن مشاهد انتهاكات الاحتلال خلال انتفاضة الحجارة هي نفسها التي شاهدناها في مسيرة العودة، حيث القناص الإسرائيلي المتمترس والمدجج خلف سواتر ترابية يطلق النار على طفل يحمل حجرًا يعبر به عن رفضه للاحتلال.
وذكر الظاظا أن مسيرة العودة انطلقت من أجل تحقيق مبدأ العودة للأراضي الفلسطينية المحتلة، وإعادة وعي الشعب الفلسطيني بثوابته، والعمل على كسر الحصار الذي يفرضه الاحتلال على القطاع منذ 12 عاما، مشيرا إلى تشابه كبير بين ظواهر أسباب انطلاق شرارة الانتفاضة الأولى ومسيرة العودة.
وأكد أن انتفاضة الحجارة ومسيرة العودة، أزالت شعارات رددها الاحتلال وأعوانه بأن الكف لا يواجه المخرز، "إلا أن الحجر واجه الدبابة، لأن من يحمله في داخله ثورة وإرادة تحمل الحياة، وليس كما الاحتلال ودباباته التي تحمل الموت والإرهاب والدمار".
وتحل الذكرى الـ31 لانتفاضة الحجارة، مع مرور 37 أسبوعًا على انطلاق مسيرة العودة، حيث شارك عشرات آلاف الفلسطينيين أمس في جمعة "انتفاضة الحجارة الكبرى".
في ذات السياق، رأى رئيس معهد فلسطين للدراسات إياد الشوربجي، أن استمرار مشاركة آلاف الفلسطينيين بمسيرة العودة يؤكد على موقفهم في كسر الحصار والعودة.
وعد الشوربجي في حديث لـ"فلسطين"، التصدع في جدار الحصار المفروض على قطاع غزة "نجاحًا واستمرارًا للإنجازات التي تتحقق واحدة تلو الأخرى تدريجيا".
وأضاف أن هذه الخطوات والإنجازات ستتلاحق إذا استمر شعبنا في حراكه ونضاله ضد الاحتلال والحصار وضد أدواته، مشيرا إلى أنه لابد من البناء على الإنجازات واستثمارها بشكل واضح لمصلحة مسيرة نضال الشعب الفلسطيني.