المقاومة حق ككل الحقوق التي تلازم الإنسان, للإنسان الحرية والحق في الحياة بكرامة, والعيش بوطن يقرر أهله مصيره, ولن يحصل ذلك، إن لم يكن الإنسان قد مارس المقاومة في وجه آلة البطش والحرمان والظلم التي تسطو على إرادته، وتجثم على وطنه ظلمًا وعدوانًا, ولذا إن المقاومة للبشرية كالماء والهواء, فالمقاومة تسكن في فطرة الإنسان, وهل ينسلخ الإنسان عما فُطر عليه؟، ولقد جاءت رسالة السماء الحقة, بتشريع المقاومة ودفع العدوان والاحتلال والظلم, لذلك جعل الله (عز وجل) الجهاد ذروة سنام الإسلام, ليحمي البشرية من الضباع التي تنهش في لحم الإنسانية لتمزقه وتتلذذ على عذاباته, والأعراف الدولية والمواثيق العالمية جميعها أكدت حق المقاومة، واستخدام وسائل القوة كافة لمواجهة العدوان الخارجي, فالمقاومة هي ذروة تمتع الإنسان بحقوقه الأخرى, والحق في المقاومة هو الحامي والمدافع عن الحقوق الإنسانية كافة, هل تمنح الحرية بالمجان؟، هل تمنح الحرية لمن استكان للقيد واستسلم ولم يقاوم؟، ويقول المهاتما غاندي: "وإذا استخدمنا كل هذه الوسائل، ولم يستجب العدو لمطالبنا؛ لجأنا إلى الحرب الشعبية المسلحة", وهذا يكشف لنا أن لا انفكاك بين وسائل المقاومة وأساليبها, ولا يمكن أن تلغي وسيلة أخرى، وكلها مشروعة في محاربة الاحتلال والسيطرة الأجنبية على الأوطان.
تحاول الإدارة الأمريكية راعية الإرهاب العالمي استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين ويجرم المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة, وتحشد لذلك، وتضغط لتضمن عدد كافٍ من الأيدي الآثمة التي سترتفع في الأمم المتحدة، لتشارك في جريمة إدانة مقاومة شعب يرزح تحت الاحتلال البغيض, وكأن من يشارك في هذه المسرحية الهزلية بمنزلة الشريك في عمليات قتل الشعب الفلسطيني واغتصاب أرضه, وتدنيس مقدساته, التي ينفذها العدو الصهيوني, على مدار أكثر من سبعين عامًا, على مسمع ومرأى من العالم الذي يتبجح بشعارات الكذبة العالمية (الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان)، إذ تتعطل فحوى تلك الشعارات, إذا كان الضحية هو العربي أو الفلسطيني الذي يواجه آلة الاستعمار الغربي المتقدمة في الشرق (الكيان الصهيوني), وهذا التحرك الأمريكي المعادي يعارض ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص في المادة (51) منه على أن "للدول فرادى وجماعات حقًا طبيعيًّا في الدفاع عن نفسها، إذا ما شن عليها عدوان مسلح", وليس هناك أوضح من العدوان الصهيوني المسلح الواقع على فلسطين.
لا شك في أن شعبنا الفلسطيني عندما يقاوم الاحتلال الصهيوني يقاوم منظومة استعمارية غربية متكاملة, صنعت الكيان العبري مشروعًا إستراتيجيًّا يخدم أهدافها الاستعمارية بالدرجة الأولى, ولذلك أي دفع ومقاومة ومواجهة لهذا الاحتلال ستلقى معارضة من قوى الاستعمار القديم الحديث، وفي مقدمة الركب المعادي لشعبنا وقضيتنا تجد أمريكا وبريطانيا وتوابعهما, وهذا ما نراه في مجلس الأمن والجمعية العمومية, كيف تمارس هذه الدول صلاحياتها ونفوذها من أجل الوقوف إلى جانب الاحتلال، والظلم الذي يمارسه الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني.
هؤلاء الأفاكون مصاصو دماء الشعوب لا يعيشون على القيم ولا يقدرون المبادئ, المصالح وحدها تتحكم في تحركاتهم، ومعول الحقد مُشرع لهدم الصروح والأوطان التي يعيش فيها خصومهم, ولا يؤمنون بالسلام العالمي، ولا يفكرون في التعايش والأمان, ونظامهم الاقتصادي قائم على الحروب وافتعال الأزمات وبيع السلاح وإراقة الدماء, هل نرجو من هؤلاء إنصافًا؟!، هل نتوقع من هؤلاء مساندة لحقنا المسلوب؟!، هل نترقب من هؤلاء تأييد حقنا في مقاومة الاحتلال الغاشم؟!
وحتى ترى حجم العداء والنفاق انظر إلى أمريكا التي تعيش في حالة انفصام مع المفاهيم والمبادئ التي قامت عليها, فلقد جاء في إعلان الاستقلال الأمريكي الصادر عام 1776م "أن المقاومة المسلحة هي المرحلة الأخيرة للاحتجاج على الهيمنة الاستعمارية الإنجليزية", وقد أصبح هذا النص مرجعًا للعديد من حركات التحرر في القرنين التاسع عشر والعشرين, ولكن عندما يتعلق الأمر بالكيان العبري تصبح المقاومة "إرهابًا" في العرف الأمريكي الخبيث.
وحتى لا يُربكنا هذا الوصف الذي تحاول أمريكا وصم مقاومتنا به علينا أن نُجمع فلسطينيًّا بلا جدل بيزنطي على أن من حق شعبنا المقاومة أنواعها كافة، وفي القلب منها المقاومة المسلحة، وألا نتماشى مع الدعاوى التي تحاول تجريم مقاومتنا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة, فشعبنا يقبع تحت احتلال استئصالي إحلالي عنصري, ونحن الفلسطينيين يجب أن نقاوم بالقوة وصولًا إلى الحرية والاستقلال, ولن نكون بدعًا من الشعوب التي مارست المقاومة، وقدمت التضحيات من أجل يوم الحرية المنشود, والعالم لا يستمع ولا يلتفت إلا إلى أصحاب القوة, وقوتنا بوحدتنا وتمسكنا بحقنا ومقاومتنا من أجل إنجاز حرية شعبنا رغم أنف أمريكا وحلفائها.