في إطار سياساتها الرامية لإسكات أي صوت يخالف سياسة السلطة ونهجها "التخاذلي"، تنخرط وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بحكومة الحمد الله ومديرياتها في فرض واقع جديد في الضفة الغربية المحتلة، يقوم على إقصاء كل خطيب يغرد خارج سرب السلطة، أو معاقبته من خلال بعض القرارات أو التلاعب في مضامين وبرامج الخطب التي تقرّها أسبوعيًّا أو شهريًّا، بحسب خطباء.
وشهدت العديد من مساجد الضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة تدخلات كبيرة من وزارة الأوقاف طالت الأئمة والخطباء، إلى أن وصل الحد بإقصاء بعضهم ونقل آخرين والتضييق المعيشي على بعضهم.
ورُصد الكثير من حالات الإقصاء في الآونة الأخيرة، طالت خطباء مشهودًا لهم بالقوة الخطابية والقبول من جمهور المصلين، في حين تذرعت مديريات الأوقات بأن ذلك جاء على خلفية ازدواجية العمل، إلا أن الحقيقة هي إقصاؤهم وإبعادهم عن ميادينهم التي تقرّبهم من الناس.
أبو البراء، أحد الخطباء الذين أُقصوا بزعم أنه مدرس في إحدى المدارس الحكومية، يقول: "ذريعة ازدواجية العمل حجّة الوزارة لإقصائنا ليس إلا، فكثير من الخطباء المحسوبين على حركة فتح لديهم ازدواجية في العمل، ولم يقُم أي أحد بمنعهم أو إقصائهم من الخطابة على عكس المحسوبين على الإسلاميين، الذين يواجهون شتى أصناف الإقصاء والتهميش وحتى الحرمان".
وأوضح أبو البراء لصحيفة "فلسطين" أنه في محاولة من مديريات الأوقات وبتوجيهات من الوزارة أُبعد الكثير من الخطباء عن المساجد القريبة من مناطق سكناهم إلى مساجد بعيدة؛ لإرغامهم في النهاية عن العزوف عن الخطابة وتركها.
وفي محاولة من مديريات الأوقاف لاستغلال شعبية بعض الخطباء وإقبال الناس على سماع خطبهم، تقوم في الساعة الأخيرة قبل بداية خطبة الجمعة بإخبار الخطيب المشهور بقرار نقله إلى مسجد آخر، و"بالتالي تضمن زيادة رواد بعض المساجد لخطيب آخر مقرب من السلطة على مقاس خطابها المراد"، هذا ما يقوله أحد خطباء مدينة نابلس.
وأضاف أنه علاوة على تعميم الخطب المكتوبة وضرورة الالتزام بفحواها، فإن الكثير من الخطباء يلامون ويتعرضون للتهديد على خلفية عدم التزامهم بالمضامين الموجودة فيها، لا سيما تلك الخطب التي تحمل عبارات التأييد للسلطة ورئيسها، وهو ذات السبب الذي أدى إلى إقصاء العديد من الخطباء.
وبيّن أن عشرات المساجد بالضفة الغربية تعاني من نقص الأئمة والخطباء رغم وجود المئات من المتقدمين لها، وأن أغلب حالات التعيين إن حصلت تكون لأشخاص محسوبين على حركة فتح أو ممن لا يجيدون الإمامة ولا الخطابة.
النائب عن كتلة التغيير والإصلاح فتحي القرعاوي، أكد أن السلطة تسعى إلى تحييد المساجد عن أي صوت يعارض نهجها، مردفًا "فيما يتعلق بهذا الموضوع فمن المعلوم أن السلطة قامت بتأمين المساجد وعمدت إما إلى إقالة الأئمة القدماء والمعروفين أو إحالتهم إلى التقاعد".
وأضاف القرعاوي لصحيفة "فلسطين" أنه في المقابل قامت السلطة بتعيين أئمة جدد لا يوجد لدى معظمهم الحد الأدنى من العلم الشرعي فضلًا عن عدم الخبرة في الخطابة والتدريس، وذلك مقابل رواتب مقطوعة ومتدنية، "ومن هنا فإن هؤلاء لديهم الاستعداد لخطابة كل ما يملى عليهم من الوزارة المحكومة بسياسة السلطة".
ولفت إلى أن سياسة السلطة من خلال المساجد والأئمة الجدد الذين عُينوا تسعى لترويج فكرها السياسي ووجهة نظرها، وهذا بحد ذاته مشكلة المشاكل ذلك لأن السلطة وجدت من الأئمة من يسمع ويطيع ويلتزم بأي تعميم أو توجيه يصله من جهاتها العليا.