رواية الاحتلال لا تجد أنصارًا.. وفلسطين حاضرة في كل مكان
المقاومة تقدّم مادة إعلامية تلحق الضرر بجنود الاحتلال ومستوطنيه
الاحتلال "يؤنسن" حضوره عبر "التواصل الاجتماعي" لكن الحقيقة تفضحه
مسيرات العودة حدث إعلامي بامتياز قدّم فلسطين بشواهدها الميدانية
قلّل الاستشاري والإعلامي الفلسطيني، حسام شاكر، من أهمية الاعتقاد السائد لدى بعض بأن رواية كيان الاحتلال الإسرائيلي، غالبة في العالم، وقدّر أن الاحتلال يقوم بجهدٍ تضليلي عبر محاولة طمس الحقائق والوعي، لكنه يعجز عن تقديم رواية مقبولة.
وقال شاكر خلال حديثه لموفد صحيفة "فلسطين" إلى إسطنبول: "إنك لن تجد في عالم اليوم من يدافع بعمق وليس بشكل مفتعل عن الاحتلال وحواجزه وجرائمه ضد الفلسطينيين".
وأضاف أن الاحتلال لا يجد له أنصارًا في الميادين حول العالم؛ كي يتظاهروا معه، لكن في المقابل فإن فلسطين لها أنصار يتظاهرون لأجل حقوقها وشعبها، مشيرًا إلى أن هناك تحولًا مهمًّا يبدو أيضًا لدى جمهور الاحتلال ذاته "إذ لم يعد متحمسًا لأن يخرج إلى الشوارع يتظاهر لأجل شيء محدد ومفهوم".
وتابع أن الاحتلال ربما يذهب إلى وقائع معينة بمزاعم يسوقها هو، "لكن برأيي دعايته من ناحية المنهجية تراهن على التضليل والحشد، أما فلسطين فحاضرة تراهن على الحقيقة والواقع، وهذه هي المنازلة".
وذكر أن الاحتلال "يستطيع من ناحية فنية تكتيكية أن يربح، مثلًا عندما يقوم بجولة عدوانية على غزة ربما يروج مقولات ومزاعم بشأن ما وقع في الميدان، لكنه لا يتمكن من جعل الناس تتعاطف مع تصرف قصف الأحياء السكنية".
ويعتقد أن الاحتلال "يواجه مأزقًا منهجيًا جوهريًا" يفرض عليه أن يستثمر أكثر فأكثر في الدعاية والتضليل، ولكن هذا لا يعني أنه قد يربح بفعل شيء.
محاولة حجب الصورة
وحول استهداف الاحتلال لوسائل الإعلام الفلسطينية وآخرها قصف وتدمير فضائية الأقصى بمدينة غزة، قال شاكر: "واضح أن الاحتلال عنده مشكلة مع المشاهِد. هو يريدها مختلفة تنسجم مع أطروحاته، وعندما لا تتوافق معه يبدأ بمحاربتها، تمامًا كما حال مشجعي كرة القدم عندما يشاهدون مباراة لفريقهم تلحق الخسارة به فربما يغادرون المباراة وقد يلجؤون إلى تحطيم شاشة التلفاز في نهاية المطاف".
ورأى أن استهداف وسائل الإعلام الفلسطينية محاولة لتعقيد الصورة والمشهد؛ لأن الاحتلال يدرك مفعولها في الجماهير وقيمتها المعنوية رغم إدراكه بأنه لن يتمكن من حجب الصورة".
وذكر الاستشاري والإعلامي الفلسطيني، أن المقاومة الفلسطينية تستعمل الصورة اليوم بشكل زائد وتقدم مادة تلحق الضرر بمعنويات الاحتلال وجنوده ومستوطنيه.
مقارنة غير عادلة
وحول غياب إعلام فلسطيني مركز وقوي في الخارج يخاطب العالم بلغاته المختلفة على غرار ما تفعل آلة الإعلام الإسرائيلية وحلفائها من "اللوبيات الصهيونية"، رفض الكاتب والمحلل في الشؤون الأوروبية فكرة المقارنة بين السياقين "وإسقاط تجربة على أخرى لا تخدمنا".
وقال: "صحيح نريد المزيد من الجهد الإعلامي المنسق والموحدة، لكن في واقع العمل الإعلامي، لا يمكن أن نقارن بين إعلام دولة دعائية بطبيعتها لها مؤسسات ومقدرات وخبرات تعمل في جهاز دعائي قوي منسق وموحد، وشعب عمليًّا يعيش النزوح والشتات ونحوه".
وأشار إلى "بُعد ثانٍ" وهو "أننا لا يمكن أن نسقط تجربة الاحتلال على تجربة الشعب الفلسطيني ببساطة. هناك جهود تجري لكن لا يمكن أن أقول عنها إنها جهود الشعب الفلسطيني فقط. كل من يرى ويسمع ولديه ضمير يتفاعل سواء أكان إعلاميًّا أو يملك منصة تواصل اجتماعي إعلامية".
وشدد على أن هذا الجهد لا يمكن التقليل من أهميته، مؤكدًا أن "فلسطين حاضرة اليوم بكل اللغات وروايتها تجد لها أنصارًا في كل مكان".
وتابع: "فلسطين لا تحتاج إلى جهد إعلامي نمطي مركزي بطريقة الدول. تحتاج إلى استثارة الجماهير والمجتمعات حول العالم، كي تقف مع الحق والعدل كل بطريقته وداخل ثقافته".
ونبه إلى أن الاحتلال عندما يخاطب بيئات يحاول أن يرسل رسائل عامة ويخاطب بعض المشتركات الثقافية مع هذه البيئات. لكن فلسطين تستطيع من داخل المجتمعات أن تجد أنصارا وداعمين لها وبطريقة تلقائية ودون تعليمات أو توجيهات.
وشدد على ضرورة "ألّا ننسى شيئًا مهمًا: الشعوب الواقعة تحت الاحتلال والتفرقة العنصرية والظلم والاستعمار لا يطلب منها امتلاك أعظم صناعة إعلامية في العالم، وإنما أن تحافظ على قضيتها وتواصل نضالها وتتمسك بحقوقها، وأن تصرح قدر الإمكان بما يجري على الأرض".
لكنه في المقابل ومن "ناحية واقعية"، "لا أستطيع أن أطالب شعبًا أن يقدّم أداء إعلاميًا عالميًا احترافيًا، رغم أننا نريد هذا ونعمل لأجله، ولكن في الوقت ذاته، لا نستطيع أن نخرج من واقعنا. الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات عنده ما يكفي من التزامات وهموم".
وحول لجوء مسؤولين إسرائيليين إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمحاولة التواصل مع الجمهور الفلسطيني والعربي عبر قضايا تظهر "وجهًا حسنًا للاحتلال"، قلل من تأثير ذلك، قائلًا: "لستُ قلقًا، ولا ينبغي أن نبالغ كثيرًا من محاولة الاحتلال أنسنة حضوره، رغم أنه له تفاعلات مؤسفة في الواقع وشواهد مقلقة".
لكنه يعوّل على أن الحقيقة "تتكلم في النهاية". وأضاف: "ربما الذي يتواصل مع متحدث باسم جيش الاحتلال في يوم ما سيرى في اليوم التالي ما يفعله جيشه على الأرض ضد الفلسطينيين، وعليه فمهما حاول الاحتلال أن يؤنسن حضوره وتقديمه بشكل ما، فالواقع سوف يتكلم ويفضح الصورة الزائفة".
ونبه شاكر إلى أن الاحتلال ربما يراهن على جمهور في مناطق بعيدة من أرض فلسطين ولا يحتك مع واقع القضية الفلسطينية، وأن يبعث برسائل صادمة مفاجئة كي يقود نوعًا من الإرباك في جمهور المتلقين، ولكن هذا برأيه لن يؤدي أيضًا إلى "استعذاب" الاحتلال والقبول به عند أي جمهور كان.
وتابع بأن جولة قصف إسرائيلية واحدة يقابلها جولة بطولة وصمود واحدة في الميدان الفلسطيني كفيلة بأن تجلي كثيرًا من هذه المحاولات الإسرائيلية.
وزاد في قوله: "في تقديري فسطين عندها مخزون كبير جدًّا يجب أن نلفت انتباه العالم إليه وهو مخزون صمود الأمهات والآباء والشباب في الميدان"، لافتًا إلى أن مسيرة العودة التي انطلقت نهاية آذار/مارس الماضي، ليست حدثًا ميدانيًّا فقط، وإنما حدث إعلامي "بامتياز" قدم قضية فلسطين بوقائعها وشواهدها الميدانية.
وحسام شاكر باحث ومؤلف استشاري في الإعلام والعلاقات العامة ومدير مؤسسة "نيو إمباكت" غير الحكومية متخصصة في الثقافة والتواصل والمعلومات التي تعمل على مستوى أوروبا. له العديد من المؤلفات والبحوث التي تركز على مجالات المشاركة السياسية والتجارب الإعلامية في أوروبا.