فلسطين أون لاين

​اختراع يكتشف الجلطة الدماغية قبل حدوثها

بالعين الهندسية "البنا الجراح" يقتنص لقب مخترع العرب

...
حاز البنا على جائزة أفضل بحث طبي في ألمانيا
غزة/ هدى الدلو- مريم الشوبكي:

لمن يجزم بأن حلمه لا يتحقق إلا في أوروبا وأمريكا، يثبت له الطبيب الفلسطيني وليد البنا أن حلمه متعلق به وحده، فهو عاش في أوروبا وسافر إلى أمريكا ليجد حلاً لفكرته ولكنه لم يوفق، ومع ذلك واصل "القتال" في ميدان الطب والهندسة حتى حقق حلمه.

وفجأة وجد "البنا" نفسه دون تخطيط في قطر، حيث برنامج "نجوم العلوم"، ومعه تحول الخيال إلى واقع ملموس، وأطلق منه "نيروكام"، وهو أول جهاز طبي محمول يكشف الجلطة الدماغية من نظرة في العين، وتوج بلقب أفضل مخترع في العالم العربي للعام 2018.

رحلة الطب

جراح المخ والأعصاب الطبيب "البنا" ذو الـ35 عاما ابن مدينة غزة يتحدث لـ"فلسطين" عن رحلته نحو تحقيق حلمه بأن يكون معول بناء يُحدث تأثيرًا في البشرية: "بعد انتهائي من الثانوية العامة سافرت عام 2000 إلى ألمانيا لدراسة الطب، أمضيت أول ستة أشهر في دراسة اللغة الألمانية".

ويتابع: "ثم بدأت بدراسة السنة التحضيرية قبل الالتحاق بالجامعة لدراسة الطب، وحصلت على معدل يؤهلني للالتحاق بجامعة كولونيا التي تحمل اسم المدينة التي أعيش فيها، حيث استغرقت في الدراسة 6 أعوام".

ويصف البنا السفر من أجل الدراسة بأنه مغامرة، فمنذ أول لحظة خطت قدماه أرض ألمانيا شعر بالتيه والضياع ولم يعرف كيف يتعامل مع الألمانيين هناك، رغم أنه التحق بدورات لتعلم اللغة الألمانية قبل سفره بشهرين.

ليست مهمة سهلة

ويلفت البنا إلى أن جراحة الدماغ والأعصاب ليست مهمةً سهلة على الإطلاق، ويجب على من يتولاها أن يكون قادرًا على تحمل الضغط المستمر الناتج عن التعامل مع الأجزاء الأكثر حساسية في الدماغ.

ولذلك فإن امتلاك أعصاب حديدية ضرورةٌ لا غنى عنها في هذا المجال، ولقد أتقن وليد تلك المهارة منذ زمنٍ طويل، فقد أكسبته خبرته الطبية درايةً واسعةً وتعاطفاً كبيراً، شجعاه على إعطاء مرضاه الشعور بالأمان والقيمة، بفضل جسارته في إضفاء لمسة إنسانية في مجال عمله.

يؤكد مخترع العرب لعام 2018 أن دراسة المخ والأعصاب تحتاج إلى جهد كبير ليس بالسهل، فقد اشتغل في حياته أكثر مما نام.

البرمجة كانت هوايته التي يمارسها في وقت فراغه، يقول: "كانت هوايتي منذ صغري برمجة أجهزة الحاسوب، واللعب في الأجهزة الكهربائية واكتشافها، فلغة البرمجة تستهويني، ويغريني عمل ابتكارات عن طريق الكهرباء، كإطفاء الضوء عن طريق الصوت، أو فتح الباب بالتليفون".

ويضيف البنا: "كنت أستمتع بهذه الأعمال كهواية عندما أملّ من الدراسة، فأقضي بعض وقتي بالتسلية في البرمجة والأدوات الكهربائية، وإصلاح الأعطال فيها".

ربط الجراحة بالعين

في أثناء دراسته رسالة الدكتوراة، لمعت في ذهن الطبيب الفلسطيني فكرة النظارة الذكية، وبين أنه بحث عن طريقة لاكتشاف الجلطات الدماغية دون إلحاق الضرر بالمريض، بسبب عدم وجود إمكانات في الوقت الحالي سوى عمل فتحة بالرأس ووضع بعض الأسلاك، وعمل جرح لقياس المخ، فحاول إيجاد طريقة ليصل إلى المخ بالتكنولوجيا، فوجد طريقة العين.

وأوضح أن رسالة الدكتوراة عام 2009 كانت عن شبكية العين، فأحب ربط جراحة المخ والأعصاب بالعين، وبدأ البحث عن كيفية اكتشاف الجلطة، وأعدّ بحثًا علميًا كبيرًا يتكون من أجزاء عدة وصل من خلاله إلى أنه عن طريق العين يمكن اكتشاف الجلطة، فكانت فكرة النظارة تحمل أجهزة دقيقة معقدة جدًا.

المخترعون العرب

ويشير البنا إلى أنه لم يجد ما يدعم فكرته في أوروبا، فسافر إلى أمريكا يبحث عن شخص يدعمه في فكرته ولكنه لم يجد، فجاء برنامج نجوم العلوم كبارقة أمل يمكن له أن يحقق اختراعه من خلاله.

وأوضح أن هدفه من الاشتراك بالبرنامج الاختلاط بالمخترعين العرب، والاستفادة من الأبحاث التي نشرها في الدول الأوروبية لاستفادة العرب منها، وبذل كل جهده لنجاح فكرته.

نيروكام

ويشير جراح المخ والأعصاب إلى أن جهاز "نيروكام" هو نظارات لتحليل شبكية العين للكشف عن صحة الدماغ، ويمكن للابتكار أن يدعم مراقبة مرضى السكتة الدماغية التي يقع الملايين من الناس حول العالم فريسة لها كل عام، فبمجرد حدوث سكتةٍ دماغية، تزداد فرصة الإصابة بسكتة متكررة مباشرةً، ولذلك تتم مراقبة المرضى لمدة ثلاثة أسابيع على الأقل في وحدة العناية الفائقة بعد تعرضهم لسكتة دماغية.

ويوضح أنه كجزءٍ من عملية المراقبة في بحثه العلمي، استخدم الأطباء كاميرات كبيرة لفحص عين المريض، ويأتي ابتكاره ككاميرا آلية تفحص الشبكية بسرعة، وتعكس شبكية العين وأوعيتها التغيرات الدماغية المرضية فورا، ويمكن لمزودي الرعاية الصحية وضعها على رأس المريض للحصول على قراءات شاملة ودقيقة وسريعة.

وعن تأثير اختراع "البنا" في المرضى، يلفت إلى أنه من خلال تركيب كاميرا ذكية قابلة للارتداء لفحص شبكية العين، يعمل الاختراع على تحسين جودة عملية مراقبة الدماغ، ويمنح الأطباء مزيدًا من الطرق الفعالة لمراقبة المرضى خلال مرحلة تعافيهم، كما يوفر بيانات إرشادية يحدد من خلالها مدى الحاجة لإجراء المزيد من التدخل أو الفحوصات.

بصمة عربية

ويصر البنا على أن تكون له بصمة ليس في الدول الأوروبية فقط بل في العربية أيضا، يقول: "أتمنى أن يقدرني الله على مساعدة الشباب العربي، ولكن ليس في البرمجة التي تبقى كهواية ولا أستطيع تعليمها بطريقة صحيحة، ولكن في المجال الطبي أعتقد سيكون لي دور أكبر بكثير".

يتمنى العودة لغزة يخدم أهل مدينته خاصة في ظل نقص الإمكانات والتخصصات وأصحاب الكفاءة كالتي في ألمانيا، وكثيرًا ما يتساءل: "لماذا لا نكون كالغرب؟" ما دفعه لمنافسة الألمان وتحديهم".

ويوجه رسالة لكل شاب لديه حلم يتطلع إلى تحقيقه: "أنا لست أفضل شخص، فهناك الكثير من الشباب دفنتهم قلة الإمكانيات بسبب ظروف غزة ولم يستطيعوا إثبات أنفسهم".

ورغم أن جرّاحي المخ والأعصاب معتادون على القيام بالإجراءات التدخلية، تبقى العين هي المدخل الأسهل والأسرع والأوضح للتعرف على حالة المخ. فالعين تمثل جزءاً أساسيًا من الدماغ، ويمكن أن تقدم مؤشرات على حاجة المريض لمتابعة مكثفة أو تدخل أكبر عند إجراء الفحوصات.

وحاز البنا على جائزة أفضل بحث طبي في ألمانيا (الجمعية الألمانية للطب العصبي وطب الطوارئ DGNI2017)، حقق تقدمًا كبيرًا في دراسة طرق تشخيص السكتات الدماغية والتنبؤ بحدوثها عبر العين.

وينوي البنا المزج بين الابتكار وشغفه بمجال تخصصه بهدف المساهمة في تعزيز راحة المرضى.

وعن فوزه بلقب مخترع العرب لعام 2018، قال: "لا تتحقق الإنجازات العظيمة بسهولة، ولا شك أن برنامج نجوم العلوم يدعم التغيير الإيجابي داخل غرفة العمليات وخارجها، فالأمر متروكٌ لنا لاغتنام هذه الفرصة".