قائمة الموقع

​هكذا تحتفل غزة بالمولد النبوي هذا العام!

2018-11-21T08:21:59+02:00

بعد الجولة الأخيرة بين غزة والاحتلال بأيام معدودات تحتفل غزة بالمولد النبوي، وأعتقد أن هذا الاحتفال مختلف عن أي بقعة من بقاع الأرض، له مذاق مختلف وله عطر مختلف، أهل غزة اليوم بما يرتفع في نفوسهم منسوب العزة والكرامة والإباء والشجاعة والنخوة والشهامة يشعرون بأنهم من رسول الله أقرب، سجلوا رقما قياسيا فكانت هذه الماركة المسجلة للمولد النبوي لا مثيل لها ولا يجرؤ أحد على أن يدعيها لأنها سجلت في غزة.

المحتفلون بالمولد النبوي على أفضل حالاتهم اليوم، يتحدثون مثلا عن أنه صلى الله عليه وسلم كان رجل الجهاد والثورة في وجه الظلم والاستبداد، في غزة جسدوا الجهاد والثورة التي يريدها صلى الله عليه وسلم بأضعف الإمكانات وأقلها وأخرجوها للعالم بأبهى الصور المشرقة. خططوا بنفس طويل وساروا مسارات جهادية في غاية التعقيد وأنتجوا بأقل القليل توازن الرعب والردع لقوة متغطرسة لا ترى في المنطقة غيرها بأسا وقوة وصولجانا.

المحتفلون اليوم في زمن الهزيمة والتراجع لا بد أن يتحدثوا عن شجاعة رسول الله ليعالجوا حالة الخور وليحرروا الناس في عصر الهزيمة من جبنهم الذي أصبح لباسا لهم.. في غزة تحدثت بنادق المجاهدين وزغردت صواريخهم فوق رؤوس ألد أعداء البشرية، في غزة واجهوا زمجرة أحدث الطائرات المدمرة بصواريخها الصاعقة وصوتها المزلزل بإيمان راسخ وحسبلة ترد القلوب إلى مكانها بعد أن تصل الحناجر.. غزة جسدت الشجاعة النبوية في الوقت الذي يتحدث فيه الآخرون عن هذه الشجاعة من غير أن يجدوا ريحها أو يتذوقوا طعمها.

المحتفلون اليوم بالمولد النبوي لا بد وأن يقولوا بأن رسول البشرية المربي الأول لهذه البشرية وأنه صلى الله عليه وسلم قد خرّج من مدرسته اولئك الربانيون الذين هندست نفوسهم على أعظم القيم التي عرفتها البشرية، بنيان متين وصفه سبحانه وتعالى بأنه كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار، هذه البنية التربوية النبوية التي وصف الله طبيعة من يجسدها من الذين رباهم رسول الله بأنهم أشداء على الكفار، أولو بأس شديد على الطواغيت الذين يفسدون في الأرض وفي ذات الوقت: رحماء بينهم: جماعة متراحمة متعاونة متعاضدة يسعى بذمتهم أدناهم، أخوة جمعهم صف واحد يواجهون عدوًا واحدًا معروفًا وقف في صف الشيطان وهدم دعائم الحياة الإنسانية النظيفة.. في غزة الآن لا يقولون ويقفون على عتبات النص القرآني والصفة النبوية الشريفة بل خاضوا غمار هذه التربية الربانية، لقد أنتجوا رجالا أشداء على أعداء البشرية والتي يقف في صفها المتقدم هنا في فلسطين هذا الاحتلال الصهيوني المتغطرس، وفي ذات الوقت رحماء بينهم، يتراحمون ويتكاتفون ويتعففون ولا يبيعون دينهم بدنياهم ولا يساومون على أوطانهم، يبيت نور بركة في سيارته أشهرًا طويلة بعد أن هدم الاحتلال بيته متعففًا، يراجع ما حفظ من كتاب الله ويواصل العلم في محراب سيارته، عين طالبة للعلم وعين ساهرة إلى أن تأتيه الشهادة تسعى بين يديه.. هذه هي المدرسة التربوية النبوية تتجسد في غزة لتنتج هذا النوع من الرجال، تنتشر دور التحفيظ متدبرة وعاملة بما تحفظ وتتخرج منها أفواج المجاهدين الذين يريدون صناعة الحرية والكرامة لشعبهم وأمتهم.. التربية في غزة شيء مختلف، هناك نجد الاحتفال بالمولد تتويجا لمسار تربوي عظيم يزرع قيما في صدور الأطفال ليصبحوا رجالا لا تلهيهم تجارة ولا بيع ولا يعلق في خيالهم أي شيء يستحق أن يستبدل بذرة من تراب الوطن.

المحتفلون اليوم يشرقون ويغربون في فضاء الشخصية النبوية العظيمة شرحا وتحليلا، كلام منمق جميل يتبارى الخطباء في روعة سحره للقلوب وتحريكه للمشاعر بينما هنا في غزة يقولون: من ذاق عرف.. هنا زرعت الشمائل النبوية في قلوب أبت أن تخضع لغير الله وتحررت من حالة الرعب التي زرعتها هذه الدولة المارقة في نفوس الناس، هنا زرعت آيات القرآن التي كانت خلق رسول الله صاحب الذكرى في قلوب عباد الله في غزة فإذا بها تنتج أعظم الثمر، تنتج حرية وتضحية وفداء وأناسًا يحبون الموت كما يحب أعداؤهم الحياة، يحبون الموت على أن تنحني جباههم لأخس خلق الله الذين صنعوا احتلالا في عقول الناس قبل أن يصنعوه على الأرض..

تخرج مدرسة غزة النبوية أفواجا من هذا الطراز، يؤكدون في كل صباح ومساء ومع كل مسيرة وارتقاء شهيد وعند كل جولة مع الأعداء: نحن اتباع محمد، نحن جند الله نحن الباقون على هذه الأرض وكل باطل حتما إلى زوال.

هناك فرق شاسع على سبيل المثال بين الاحتفال بالمولد ما بين اليمن والسعودية: في اليمن يتحدثون عن الرسول الذي رفع عن الناس الظلم وحقق العدالة وواجه الطاغوت ببأس وقوة: في السعودية يتحدثون عن طاعة أولي الأمر ولو أظهروا كفرا بواحا ولو زنى وشرب الخمر على رؤوس الأشهاد، سبحان الله ينتقون من النص الديني بفهم منحرف ما يبرر انبطاحهم وارتكاسهم (هذا إن احتفلوا بالمناسبة لأنهم حرموا منها وقالوا عنها إنها بدعة).

وهناك فرق شاسع بين من يحقق الإنجاز العظيم بالانتماء الكامل إلى سيرة المصطفى ثم يتوج ذلك بالاحتفال بمولد الحبيب وبين من يبقى على مسافة بعيدة فيأتي احتفاله جسدا بلا روح، غاندي خاطب زعماء الدول الذين خطبوا عن الحرية والاستقلال في أول مؤتمر لدول عدم الانحياز: أنتم خرج الاستعمار من بلادكم من الباب وعاد إليكم من النافذة، عندما تحرروا اقتصاد بلادكم وسياسة بلادكم من هيمنة الاستعمار عندئذ يحق لكم أن تخطبوا عن الحرية والاستقلال.

أيحق لمن يطبع ويطبل للصهاينة ويرتمي في الحضن الأمريكي ويدفع الجزية أضعافا مضاعفة عن يد وهو صاغر أن يحتفل بميلاد من صنع أمة عزيزة قوية منيعة وجعل منها سيدة البشرية، أن يأتي من أصبح شعرة في ذيل القافلة ورضي بذلك ثم يأتي ليحتفل بميلاد سيد الأنبياء والمرسلين والناس أجمعين.

هذه هي رسالة غزة في إحيائها للمولد النبوي هذا العام، تحرج بفعلها قبل قولها كل المطبعين والمتهافتين والمتهالكين، هذا الطابور المصطف من الدول العربية لتقبيل يد الأرعن الأمريكي من خلال التملق والتزلف للصهيوني المغتصب لأولى القبلتين، تأتي غزة لتسكب الماء البارد على رؤوسهم المخمورة، تحتفل بطريقتها المميزة بميلاد عزة أمة أعزها الله بهذا النبي العظيم، ولا شك بأن محبيهم ومحبي رسول الله على ذات الخط أينما وجدوا في الضفة وفي عالمينا العربي والإسلامي وفي كل أرجاء المعورة وحيث ارتفع صوت مؤذن قائلًا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. لن تلين عرائكنا ولن تتجه بوصلتنا ولن تنبض قلوبنا إلا لله العزيز الحميد، إلا مع رسول الله الذي قادنا وما زال يقودنا إلى النصر والعزة والتمكين والسيادة على كل فلسطين.

اخبار ذات صلة