فلسطين أون لاين

​بين رغبة الابن في الاستقلالية وحرص الوالدين

لماذا نظل أطفالاً في عيون آبائنا مهما كبرنا؟

...
صورة تعبيرية
غزة - عبد الله التركماني

رغم بلوغ الشاب محمد, واحدا وثلاثين عاماً، إلا أن أمه لا تزال تناديه "حمود" حتى بين أصدقائه، الأمر الذي يتسبب له بالإحراج المستمر، وفي كل مرة يحاول اقناعها بأنه لم يعد طفلاً، تقول له أمه "أنت طفلي ما دمت حية".

يقول محمد لـ"فلسطين": "إن والدتي توقظني من النوم كما لو كانت توقظ طفلاً يبلغ 7 سنوات من عمره، فهي شديدة الحنان والطيبة، ونظرتها لي لم تتغير منذ وعيت على هذه الدنيا، وتحاول أن تكون إلى جواري في كل لحظة وموقف كما لو أنني لا أزال صغيراً وغير قادر على مواجهة الحياة وحيداً".

وأوضح أن والدته ترفض فكرة أنه يصبح شاباً قادراً على اتخاذ قراره بنفسه، فهي لا تزال تأمره بمصاحبة فلان والابتعاد عن علان، كما أنها لا تزال تجهز له كوب الحليب الصباحي عندما يستيقظ من النوم وتأمره بشربه كاملاً وتزجره في حال أبقى على شيءٍ منه.

ولفت محمد النظر إلى أنه أحياناً ينزعج بشكل كبير من سلوك والدته، وإشعاره بشكل دائم أنه لا يزال طفلاً غير راشد إلى حد يمكن تركه وحيداً، ولكنه أضاف: "وفي أحيان أخرى، أرفق بها وأعتقد أنها على حق".

محمد هو نموذج لفئة الشباب الذين يشعرون بعدم الاستقلالية في حياتهم وآرائهم وقراراتهم بسبب النزعة العاطفية التي تسيطر على الأبوين والتي تجعل من أولئك الأبناء أطفالاً مهما تقدم بهم العمر.

تدخلات "أبي"

هذا الحال ينعكس أيضاً على الشاب عامر (34 عاماً) والذي يعمل مديراً في أحد البنوك الفلسطينية، وقال لـ"فلسطين": "لا استطيع التمييز بين ما إذا كانت تدخلات والدي هي من قبيل دعمي أم من قبيل السيطرة عليّ، فهو يختار كل ما أريد شراءه، معتبراً أن اختياره هو الأفضل دائماً".

وأضاف: "والدي يفعل كل شيء بالنيابة عني، وهكذا عودني منذ كنت صغيراً، فعندما تطلب والدتي مني تغيير جرة الغاز مثلاً، يفضل والدي أن يقوم هو بفعل ذلك من قبيل الخوف على حياتي في حال ارتكبت خطأ ما، كذلك الحال عندما يتعلق الأمر بتغيير مدخل كهربائي في الحائط، فهو يرفض أيضاً أن أقوم بذلك ويقوم هو به".

وأوضح عامر أنه يحاول الاستقلالية والتعلم من خبرات حياته، إلا أنه يرى أن تدخلات والده المستمرة تجعله شخصاً بلا خبرات، مشيراً إلى أنه دائماً ما يحاول الابتعاد عن والده من أجل القدرة على رسم طريق حياته بنفسه.

وتابع: "أنا اليوم لا استطيع أن أتولى بعض المهام الصغيرة البديهية كإصلاح "إبريز كهربائي" مثلاً؛ ولا يمكنني اتخاذ قرار مستقل، كل قرار يجب أن يكون مصبوغاً بصبغة والدي الخاصة، هو يعد ذلك من باب الحرص على اختيار الأفضل، ولكني لا استطيع الاستمرار في قبول ذلك دون أن يكون هناك بصمتي الخاصة".

أسباب ونتائج

المتخصص النفسي والاجتماعي، زهير ملاخة، يرى أن السبب الرئيس وراء اعتبار الآباء أبناءهم صغاراً مهما كبروا في العمر، هو البعد العاطفي وحرصهم على ألا يصيبهم أي مكروه، مشيراً إلى أن ذلك يحمل آثاراً سلبية على الأبناء في حال كان المشهد مفرطاً.

وقال ملاخة لـ"فلسطين": "البعد العاطفي والحنين والخوف والشعور بالأبناء يجعل الوالدين أكثر حرصاً عليه واعتباره لا يزال صغيراً، وغير قادر على اتخاذ قرار بمفرده، لذلك يمارس الأب والأم هذه العاطفة سلوكياً بشكل لا شعوري، ويظلون يلعبون دور المنارة التي تضيء طريق الأبناء حتى آخر يوم في حياتهم".

وبيّن أن مرور الأبوين بتجربة سيئة في حياتهما، يجعلهما أكثر قرباً إلى الابن، من أجل عدم مروره بتجربة مشابهة، وهذا يشير إلى أن الأبوين يريدان لابنهم الأفضل، "ولكن ذلك يضر الأبناء من ناحية أنه يجعلهم دون خبرات حياتية تمكنهم من مواجهة تقلبات الحياة".

وأوضح ملاخة أن هذا المشهد يدلل على غريزة أبوية تحمل الحنين والحب والحرص على الأبناء مهما كبروا في العمر، مذكراً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا ماتت الأم نزل ملك من السماء يقول: يا ابن آدم ؛ ماتت التي كنا نكرمك لأجلها).

ومن جهة أخرى، يرى ملاخة أنه في بعض الأحيان يكون الابن أكثر وعياً من والده، ولكن الوالد يحب أن يظل يشعر بأنه المسئول والمسير للأسرة، وهذا يرجع إلى طبيعة الأسر الممتدة في المجتمعات الشرقية.

ولفت النظر إلى أنه في بعض الحالات التي يكبر فيها الابن ويتزوج ويصبح مستقلاً بأسرته الخاصة، لا يكون بمنأى عن تدخلات أبويه به وبأسرته، ولكنه شدد على ضرورة أن يمنح الوالدان الابن الفرصة في الاختيار وتحديد مساره، لما سيضيفه ذلك من تجارب حياتيه تنفعه عندما يكون وحيداً بعد وفاتهما.

وأكد ملاخة على أن احترام مشاعر الأبوين هو المدخل الرئيس من أجل حصول الابن على الاستقلالية، وقال: "يجب أن يحفظ الابن الاحترام لأبويه في كل الأوقات، وأن يحاول اقناعهما بأنه يجب أن يقرر طريقه بنفسه، وعدم النظر إليه انه لا يزال صغيرا".