شهد قطاع غزة عدوانا عسكريا الأسبوع الماضي انتهى بفشل، وهزيمة نكراء تضاف إلى مجموعة الهزائم التي لحقت بجيش الاحتلال الإسرائيلي، وبناء عليه اضطر كيان الاحتلال بقبول وقف النار بغزة، وهذا الأمر خلق ردود فعل واسعة على ساحة الكيان السياسية، ما أدى إلى استقالة وزير الجيش ليبرمان وانسحاب أعضاء حزبه من حكومة نتنياهو الائتلافية، بحجة أن قبول وقف النار هو خضوع لما أسماه "الإرهاب" الفلسطيني، ولو كان صادقا لاعترف بالحقيقة "المرة" أنه فشل في هذه المعركة، لكنه فضل الاستقالة وتجرع الهزيمة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا وافق نتنياهو على وقف إطلاق النار؟ إن أي مراجعة لموقف نتنياهو تظهر أنه وافق على وقف إطلاق النار لسببين رئيسين: الأول أن المقاومة كانت قوية وواسعة ووصلت إلى مستوطنات كثيرة وتسبب في نزوح وتشريد آلاف المستوطنين وألحقت أضرارا فادحة بالمباني والجيش، ما أثر على معنوياته ومعنويات الجبهة الإسرائيلية الداخلية، بالشعور أن الهيبة وقوة الردع تآكلتا وأن منظومة القبة الحديدية المكلفة فشلت ولم يعد بالإمكان الاحتماء بها أو الاعتماد عليها.
أما السبب الثاني فهو أن نتنياهو غير معني في هذه المرحلة بشن حرب واسعة ضد غزة، بسبب الوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه سكانه من حصاره لأكثر من عقد، و هذا لخوفه من الموقف الدولي الساخط وخوفه أيضا من انهيار مشاريعه التطبيعية مع البلدان العربية، لذا سبق هذا كله بالسماح بدخول ملايين الدولارات إليها وخفف من الحصار ومساحة الصيد والكهرباء. وهو لا يفعل ذلك حبا في غزة وأهلها وإنما هدفه ترسيخ الانفصال، ويستفرد بالضفة والاستيطان والتهويد.
لم يعد أمام (إسرائيل) ما يمكن أن تفتك به في قطاع غزة، بعد عدوان عام 2014، الذي قتل خلاله أكثر من 2200 فلسطيني ودُمرت آلاف المباني والبنية التحتية، إلى جانب تشديد الحصار الذي جعل القطاع يفتقر إلى أبسط أسس العيش، مثل الماء والغذاء والدواء والكهرباء، إضافة إلى تعطيل المستشفيات ، وكل ذلك في مساحة ضيقة يزدحم فيها مليونا إنسان.
قوى المقاومة في قطاع غزة، باتت الآن أكثر خبرة بالتعامل مع الاحتلال وخططه العسكرية، وباتت تعلم أن حكومة نتنياهو ليس لديها أي نية للتوصل إلى تسويات سياسية مع الفلسطينيين، بغض النظر عن انتماءاتهم؛ ترفض التسوية مع فتح والسلطة، وترفض التهدئة مع حماس. بل إن (إسرائيل) تعمل جاهدة من أجل ترسيخ وتعميق الانقسام الفلسطيني.
لقد أطاحت غزة بليبرمان، هذا في حد ذاته يُشعِر بحلاوة الانتصار في غزة، وهو شعور مماثل في الضفة أيضا، لأن الشعب واحد مهما ابتعدت المسافات، والأهداف الوطنية ضد الاحتلال واحدة أيضا، وما حدث في القطاع هو صرخة لتحقيق الوحدة الوطنية بين القوى الفلسطينية كافة على ذات القواعد التي بنيت عليها غرفة العمليات المشتركة التي قادت انتصار شعبنا الأخير.