يجب النظر إلى استقالة وزير الحرب الصهيوني ليبرمان من زاوية دلالاتها الشاملة وانعكاساتها المستقبلية على واقع السلوك الصهيوني تجاه القطاع.
أولا، لا يمكن التقليل من شأن دلالة استقالة ليبرمان على صعيد الوعي بقيمة المقاومة ومكانتها وإنجازاتها، سيما وأن ليبرمان سبق أن تعهد عندما كان في المعارضة أن يغتال إسماعيل هنيةفي غضون48 ساعة بعد توليه وزارة الحرب، وها هو يمضي وهنية لا زال حيا يرزق.
لكن من ناحية موضوعية، يجب النظر إلى استقالة ليبرمان ضمن التحولات التي طرأت بعد جولة التصعيد الأخيرة، وعلى رأس ذلك حالة الغليان التي يعيشها الشارع الإسرائيلي، الذي بات يتهم نتنياهو بأنه عاجز عن مواجهة حماس، وتوحد النخب السياسية في المعارضة والإعلام والكثير من النخب العسكرية والأمنية المتقاعدة في توجيه سهام النقد لأداء نتنياهو.
من هنا فإن استقالة ليبرمان ستسهم في تقليص هامش المناورة أمام نتنياهو في الائتلاف الحاكم وفي اليمين بشكل عام وقد تدفعه لدرء تهمة الخنوع عن نفسه، عبر السعي لتحقيق إنجاز أمني أو عسكري.
الذي يفاقم الأمور تعقيدا حقيقة أن الأكثر اعتراضا على سياسات نتنياهو تجاه غزة هي مناطق جنوب الكيان، التي تحتضن قواعد اليمين وقواعد الليكود، تحديدا: سديروت، نتيفوت، أوفاكيم، بئر السبع، عسقلان، وهذا ما يمثل عامل ضغط إضافيا على نتنياهو لمحاولة تحقيق إنجاز.
وبالنسبة لمعايير الإنجاز بالنسبة لنتنياهو، فأغلب الظن أنها ستكون ثلاثة:
1- استعادة الردع وترميمه بشكل كبير.
2- فرض قواعد اشتباك جديدة وإلزام المقاومة بها، تتيح لإسرائيل هامشَ حرية كبيرا في القطاع.
3- استعادة ثقة الجمهور الصهيوني بالقيادة.
وفي تقديري أن (إسرائيل) يمكن أن تقدم على أحد الخيارات الآتية من أجل تحقيق هذه الأهداف:
أولا: شن عمل عسكري مباغت على غزة، يتضمن عمليات قصف جوي مباغت وعمليات تسلل ضد أهداف نوعية، وعمليات اغتيال.
ثانيا: ضرب هدف مهم لحماس في الخارج، حيث قد يكون الهدف على وجه الخصوص صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، الذي تتهمه إسرائيل بالإشراف على توجيه العمليات ضدها في الضفة الغربية. الذي يزيد من واقعية هذا الاحتمال حقيقة أن الولايات المتحدة قد وضعت العاروري على قائمة الإرهاب وخصصت 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات حوله.
وعلينا أن نتذكر أن كل القيادات الذين اغتالتهم إسرائيل من حزب الله، تم الأمر بعد إعلان الولايات المتحدة أسماءهم أهم ضمن قوائم الإرهابيين لديها. فعلى سبيل المثال، قبل ثلاثة أشهر من اغتيال سمير قنطار وضعت واشنطن اسمه على قائمة الإرهاب.
ثالثا: الجمع بين الخيارين معًا.
وفي حال كان هذا التوجه الإسرائيلي، فإن إسرائيل ستختار الظروف التي تكون فيها المقاومة في حالة استرخاء وفي أقل مستوى من الجاهزية والاستعداد، وقد يمهد الصهاينة لذلك من خلال الحديث عن استئناف التهدئة من أجل إغراء المقاومة بعدم أخذ الأمور بجدية كبيرة، وقد تجمع الحملة بين توجيه ضربات قوية جوية وعمليات اغتيال واسعة وعمليات تسلل وتوغل لوحدات خاصة لضرب أهداف بعينها.
بالمناسبة، الوزير يوآف غالانت، عضو المجلس المصغر لمّح إلى إمكانية شن الحملة على غزة الليلة الماضية عندما قال "قد نعمل عند توفير الظروف التي نحددها نحن وليس حماس".
ومما لا شك فيه أن هوية الشخص الذي سيخلف ليبرمان في وزارة الحرب مهمة.
وإن كان نتنياهو يصر على أن يتولى هو الوزارة، فإن هناك احتمالا بأن يتولى زعيم الحزب اليهودي نفتالي بنيت هذا المنصب، حيث إن الكثير من الانتقادات توجه لنتنياهو لأنه في حال تولى وزارة الحرب فإنه سيجمع بين أهم ثلاث حقائب.
الأمر الذي قد يعيق هذا السيناريو هو إجراء انتخابات مبكرة بشكل عاجل، حيث إنه من غير المرجح أن تُشَن حملة عسكرية قبيل انتخابات مباشرة، مع العلم أن هناك اعتراضا كبيرا داخل أوساط اليمين لإجراء الانتخابات خوفا من فقدان الحكم.