فلسطين أون لاين

قطع العلاقات.. نصيحةٌ تحملها أمثالٌ شعبية هل تتأثر بها؟

...
صورة تعبيرية
غزة - هدى الدلو

لا يمكن لأي شخص أن يعيش العزلة التامة دون إقامة علاقات اجتماعية وبلا تواصل مع الآخرين، ولكن من الناس من لا يعرف كيفية نسج علاقات مع من حوله، فيقع في "مطبّات" العلاقات، لأن الفارق بين الناجح اجتماعيًا وغيره يتمثل في كيفية تعامله مع الآخرين، ومدى تمكنه من إدارة العلاقات بينه وبين غيره، والأمثال الشعبية لم تترك مجالًا إلا وطرقت بابه، ومنها ما حدد طبيعة العلاقة في بعض المواقف وكيفية التعامل معها، ولكن منها ما أصاب أصحابها، ومنها من أخطأ قائلوها، ومما قيل في العلاقات المثل القائل: "اللي اشتراك اشتريه واللي باعك بيعه"، فهل هذا المثل محدد سليم للعلاقات؟، وهل يجب أن يأخذ به الناس كمبدأ للتعامل؟، أم أنه سبب لتفكيك بعض الروابط؟ هذا ما نتحدث عنه في السياق التالي:

يزداد غرورًا

قال الشاب فارس زيد (30 عامًا): "لا يمكن لأي شخص أن يعيش دون تواصل وإقامة علاقات مع غيره من البشر، لذلك يمكن للإنسان أن يتعامل مع كل شخص حسب طريقة تفكيره حتى لا تظهر المشاكل، فلا شيء يستحق الغضب والقطيعة لأن الحياة أصبحت صعبة، ويمكن توقع حدوث أي شيء من أقرب الناس، لذلك لا بد من النظر للجزء الممتلئ من الكأس".

وأضاف: "على الإنسان ألا يشغل نفسه بأمور بسيطة، ففي زماننا إذا غضبت من شخص، ثم أحسنت التعامل معه، فسيزداد غرورًا وكبرياء، وهذا من شأنه يزيد الطين بلة".

قاعدة تعامل

بينما رأت وسام عبد اللطيف (25 عامًا) أن أصابع اليد لا تتساوى، وكذلك الأمر في التعامل مع الناس، فهناك من يندم ويعتذر على أقل خطأ يمكن أن يرتكبه في حق غيره، ويعد بعدم تكراره، وهؤلاء يستحقون العفو ولو أخطؤوا ألف مرة، وفي المقابل فإن آخرين لا يمكنهم مسامحتهم، مبينة: "الأول اشترى بأغلى الأثمان، والثاني باعك بأبخسها".

وأوضحت: "المثل الشعبي لم يخطئ، بل وضع قاعدة للتعامل مع الناس، ولكن هذا لا يعني اتباع القاعدة ذاتها في التعامل مع الجميع، فمثلا الأهل والأصدقاء قد لا تمر 24 ساعة إلا وتكون قد نسيت الخلاف معهم وسامحتهم"، معربةً عن اعتقادها بأن الأمر نسبي، وأن أفضل الحلول هو المسامحة والمصافحة والندم الحقيقي.

الكرامة والقلب

ومن وجهة نظر العشرينية "داليا جمال" فالأمر بالكرامة وتقديمها على غيرها، إذ قالت: "الإنسان بلا كرامة، كأنه بلا قلب، فقد يقدم الشخص تضحيات لصديقه ولكنه لن يلقى منه أي اهتمام، سوى أنه سيعرف عنه أنه صاحب التضحيات، والذي يضحى أول مرة سيضحي في كل مرة".

وأضافت: "لا بد أن تكون كرامة النفس فوق كل اعتبار، مع عدم تجاهل مبدأ التضحية في بعض الحالات ومع بعض الأشخاص، ولكن في حالة الخداع والخيانة والكراهية والكذب، فسيكون التعامل معه كما قالوا: (من باعنا بعناه ولو كان غاليا)".

وتابعت حديثها: "أحيانا نواجه في حياتنا صديقًا نثق به ونبوح له بمشاكلنا، ومع مرور الأيام نكتشف أن العلاقة بيننا غير متبادلة، ففي غيابه نسأل عنه، ولكن هو لا يهمه أمرنا إذا غبنا، فهذا يستحق التخلي عنه، ولن يكون قلبي أهم من كرامتي".

صبر وحكمة

وفي هذا السياق، قال الأخصائي الاجتماعي حسام جبر: "الأمثال الشعبية القديمة وضعت طريقة للتعامل مع الناس، ومنها ما ينصح الأفراد بالتخلي عن بعض العلاقات في حال التعرض للخداع أو تلقي معاملة غير جيدة، ومنها المثل القائل: (اللي بشتريك اشتريه، واللي ببيعك بيعه)، وتحديد العلاقات بهذه الطريقة بمثابة وضع نوع من الترغيب والترهيب في إقامتها وفي التعامل مع الآخرين".

وأضاف لـ"فلسطين": "توجد حدود لرد الفعل لأي حدث خاطئ، لذلك يجب أن يكون هناك نوع من التوازن في التعامل حتى لا نفقد العلاقات الاجتماعية بسبب قصور في الفهم أو نتيجة لتفكير سلبي".

وتابع: "في بعض العلاقات، خاصة علاقات القرابة والصداقة القوية، فإنه في حال التعرّض للخداع والفشل أو ارتكاب خطأ فلا يمكن قطع العلاقة، أو التخلي عن القريب أو الصديق الذي أخطأ، لأن هذا الأسلوب حاد ومن شأنه أن يقطع أواصر العلاقات الاجتماعية".

وأوضح جبر: "لذلك لا بد أن يصبر الإنسان على أخيه، مع التحلي بالحكمة في التعامل، وافتراض أن الخطأ الذي ارتكبه الطرف الآخر ناتج عن قصور في الفهم، وقبول الأعذار".

ولفت إلى أن هذا المنطق لا يسري على كل العلاقات، فأحيانا لا بد من القسوة والحدة في التعامل، ومن الضروري التعامل بجدية مع بعض المخطئين، ولكن يجب أن يحدث هذا بشكل مدروس.

وبيّن جبر: "قد يتجه البعض لإنهاء العلاقة بمن أخطؤوا في حقّهم حفظًا لكرامتهم، فيما آخرون لن يسمح لهم قلبهم بذلك، والأصل أنه لا بد من السير وفق المنطقين"، لافتا إلى أن رد الفعل والقرار بإبقاء العلاقة أو قطعها يختلف حسب قدرة الإنسان على التحكم بنفسه وبتصرفاته، فالبعض يتعامل بالمنطق والتفكير السليم، والبعض الآخر يميل للقلب ويترك له زمام التحكم في سلوكياته.

وختم جبر حديثه: "قد يحدث ذلك ويتجه الناس نحو القطيعة بسبب منغصات الحياة الأسرية والاقتصادية، وهذا يحتم على الناس فهم متطلبات الحياة و إدراك حدود التعامل مع الآخرين".