يواظب الشاب توفيق حميد (24 عاما)، برفقة مجموعة من أصدقائه، نهاية كل أسبوع على زيارة المنطقة الحدودية ببلدة بيت حانون الفاصلة بين المناطق الشمالية لقطاع غزة والأراضي المحتلة، وذلك بغية التمتع لبضع ساعات بأجواء الطبيعة النقية بعيدا عن التلوث والضوضاء المزعجة.
ورغم دراية حميد ورفاقه بمخاطر الجلوس في المنطقة القريبة من أبراج المراقبة التابعة للاحتلال، إلا أنه يصر على الخروج برحلته الأسبوعية مصطحبا معه بعض المشروبات الساخنة، أو بردة ومفرشا أرضيا ومستلزمات الرحلة.
ويتخذ الشبان المتنزهون من دراجاتهم الهوائية وسيلة أساسية تنقلهم إلى غايتهم، بينما يلجأ آخرون لاستخدام عربة الدفع الثلاثي "توك توك" للوصول إلى تلك المنطقة الخالية من البنية التحتية والطرق المعبدة.
وتشكل المنطقة العازلة التي تنتشر على طول الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة، قرابة 35% من الأراضي الزراعية في القطاع، وأخذت تتسع تدريجيا منذ عام 2005، إلى أن بلغت ما يزيد على 500 متر داخل الحدود، بعد عدوان 2008/2009، وبعد عدوان 2012 تقلصت هذه المساحة.
كسر حاجز الخوف
ولم يكُن حميد يتمكن من الوصول إلى الشريط الحدودي والجلوس هناك للتنزه قبل حرب 2012، وفرضت فصائل المقاومة شروطها على الاحتلال بعدم التعرض للمواطنين أو المزارعين العاملين داخل نطاق المنطقة العازلة التي تقلصت مساحتها تدريجيا في السنوات القليلة الماضية.
ويرى الشاب توفيق خلال حديثه لصحيفة "فلسطين" أن خروج الشبان والعائلات الغزية للتنزه في تلك المناطق بمثابة كسر لحاجز الخوف والرعب الذي حاول الاحتلال فرضه بتجريفه الواسع للحقول الزراعية مع اندلاع شرارة انتفاضة الأقصى وتحويل تلك المناطق لصحراء قاحلة محرم على المواطنين الوصول أو الاقتراب منها.
وكانت المناطق الزراعية الحدودية التي تتميز بخصوبة تربتها وتوفر مخزونًا كبيرًا من المياه الجوفية فيها رافدا أساسيا للاقتصاد الفلسطيني وركيزة لتصدير منتجات غزة إلى الخارج ومصدر دخل للمزارعين وعائلاتهم.
جنة الله في أرضه
ولعائلة "خليل طينة" قصة مشابهة وإن تباينت بعض التفاصيل، فالحاج الخمسيني اعتاد منذ سنوات على زيارة المنطقة الحدودية التي تزدهر بالعشب الأخضر وبعض أصناف الأزهار الملونة خلال فصلي الشتاء والربيع، قبل أن تتحول إلى أرض قاحلة مع دخول فصل الخريف.
ويصطحب الحاج طينة بين الحين والآخر بعض أبنائه وأحفاده إلى المنطقة القريبة من موقع أبو مطيبق العسكري شرق مخيم المغازي وسط القطاع لقضاء بضع ساعات من التنزه واللعب هناك في المساحات الخالية، طلبا للراحة والهواء النقي، رغم أنه يمتلك في فناء منزله حديقة صغيرة.
ويقول طينة لـ"فلسطين" إنه يتجنب الذهاب إلى المناطق الحدودية حال حدوث تصعيدات ميدانية من طرف الاحتلال، فالأخير لا يؤمن مكرُه، مضيفا أن "إحياء الشريط الحدودي سواء بالزراعة أو بالتنزه فيه جزء من مقاومة الشعب الفلسطيني وصموده على أرضه".
وأشار إلى أن فصائل المقاومة كافة لها الفضل في جعل المناطق المحرمة سابقا بمثابة متنزهات أو حدائق عامة يقضي فيها الغزّيون ساعات من التمتع بين الحقول الخضراء أو إتاحة الفرصة أمام أطفالهم للعب هناك.
ويتذكر أبو ضياء حال المنطقة الحدودية قبل أن تجرفها قوات الاحتلال مع اندلاع شرارة انتفاضة الأقصى عام 2000، إذ وصفها بـ"جنة الله في أرضه"، حيث كانت تزهر طوال أيام السنة بأشجار اللوز والخوخ والبرتقال، فضلا عن بساتين التين والزيتون التي كانت تتوزع على الشريط الفاصل.
ويتعمد الاحتلال بين الحين والآخر تجريف المحاصيل الزراعية على طول الحدود الشرقية للقطاع، أو إحراقها عبر إطلاق القذائف عليها، فضلًا عن قيام طائرات إسرائيلية صغيرة الحجم برش مبيدات كيميائية تُجفف الزرع ثم تحرقه، الأمر الذي يكبد المزارعين خسائر مالية كبيرة تفوق طاقاتهم.