فلسطين أون لاين

​"كمين العلم" وقصف "حافلة الجنود".. ضربة أمنية ومعنوية

...
غزة - يحيى اليعقوبي

مثلت عملية كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، قصف حافلة لنقل جنود الاحتلال شرق جباليا، الاثنين الماضي، بصاروخ موجّه من نوع "كورنيت"، "مفاجأة" -بحسب مراقبين- لقادة جيش الاحتلال الأمنيين والعسكريين من ناحية شكل العملية وأسلوب، والتي جاءت ضمن الرد على تسلل فاشل لقوة احتلالية في المناطق الشرقية لخانيونس.

وبثَّ قصف الحافلة، وما تبعها من نشر تفاصيل عملية "كمين العلم" التي نفذتها في فبراير/شباط الماضي ألوية الناصر صلاح الدين عند السياج الفاصل شرق غزة، وأسفرت عن مقتل وإصابة ستّة ضباط وجنود احتلاليين، رسائل نفسية بتوقيت حساس "تجرح معنويات" الجبهة الداخلية للاحتلال وتقود لفقدانهم الثقة بقدرات جيشهم في توفير الحماية لهم، وتظهر ضعف الأخير، وأجهزة استخباراته في تقدير الموقف، كما يوضح مراقبون.

ويقول الخبير الأمني محمد أبو هربيد: "إن العملية التي نفذتها كتائب القسام بقصف حافلة الجنود جاءت بعد نحو 10 ساعات من الحدث الأمني شرق خان يونس وتسلل قوة احتلالية خاصة لقطاع غزة، ما أعطى المقاومة فرصة للانتقام والرد، فكانت العملية سريعة وعاجلة ومناسبة، ولكنها كانت مفاجئة بشكلها وأسلوبها، إذ كان الاحتلال يتوقع أن يكون الرد من خلال رشقات صاروخية فقط".

وأضاف أبو هربيد لصحيفة "فلسطين"، أن بداية الفيديو الذي نشرته المقاومة لاستهداف حافلة الجنود، أظهر صور مركبات ربما لقيادات جيش الاحتلال، وأخرى لمجموعة من الجنود، لكنها اختارت قصف الحافلة، ما يدلل على أنها أخذت الفرصة الكافية في الرصد، والسيطرة في الميدان، ويظهر حجم الانتظام بين قيادة غرفة العمليات والمقاومين المنفذين للعملية، ويظهر تلقيهم تعليمات واضحة ودقيقة بشأن من يقصفون.

رسالة القسام

رسالة المقاومة من هذه العملية التي تظهر ارتفاع مستوى الحرفية التقنية لدى المقاومة -كما يتابع- للمجتمع الإسرائيلي، أن جيش الاحتلال لا يستطيع أنه يحمي نفسه، مبينًا أن لهذه العملية تداعيات داخلية متوقعة ستجعل (إسرائيل) منشغلة بمشاكلها الداخلية، قد ينتج عنها فتح تحقيق داخلي لدى أجهزة استخبارات الاحتلال لعدم توقعهم شكل العملية، ومن الممكن أن تحاسب رتب وقيادات عسكرية وأمنية بمعزل عن الإعلام.

في السياق، يفسر الخبير في الشؤون الأمنية تكتم الاحتلال على عملية "كمين العلم" حينما وقعت، كما أظهر فيديو نشرته ألوية الناصر صلاح الدين لانفجار سارية العلم المفخخة بمجموعة من جنود جيش الاحتلال، بأن الأخير لا يريد إظهار خسائره، خاصة أن الجبهة الداخلية للاحتلال تعتمد أساسًا على الأجهزة الأمنية والعسكرية في توفير الحماية له.

ويتابع بأن جزءًا من العقيدة الأمنية والعسكرية الاحتلالية يتمثل في ألّا يفضح خسائره كي لا تهتز صورته أمام مجتمعه، فما كان يخشاه في "كمين العلم" ليس الاستهداف فحسب، بل أنْ تمتلك المقاومة الصورة التوثيقية لما جدث، وهذا ما جعله يقصف مقر فضائية الأقصى، غير مدرك أن تكنولوجيا الاتصال اختلفت في نشر مشاهد العمليات، مؤكدًا الأهمية البالغة لمقطع الفيديو المصور.

وتؤمن المقاومة، وفق أبو هربيد، بحجم الصورة ووزنها في معركتها مع الاحتلال، وأن للحرب العسكرية أساليب نفسية تعي وزنها جيدًا، مبينًا أن تكتم المقاومة على تفاصيل العملية كان جزءًا من مخزون المعلومات النفسية التي يمكن استخدامها في الوقت المناسب، لما يمثله العامل النفسي من سبب في نجاح المقاومة وتفوقها.

ويعتقد أن تكتم المقاومة يعطي قوة وقدرة على المناورة بهذه العمليات المصورة ونشرها في وقت مناسب، خاصة أن المستوطن لا يتذكر تاريخ حدوث العملية، بل يربط الأحداث وسيدرك أن هذه المشاهد تتكرر، وستكون النتيجة أنه لن يثق في جيش الاحتلال وقيادته العسكرية التي كذبت عليه.

المعارك القادمة

ما تداعيات العمليتين على المجتمع الإسرائيلي؟ يعتقد الخبير الأمني في رده على سؤال "فلسطين" أن أولها فقدان الثقة بجيشه، ما سيدفعه للتفكير بحماية نفسه بطريقة أخرى، كالهرب لمناطق أخرى في فلسطين المحتلة سنة 1948، أو العودة لبلدانهم الأصلية خارج فلسطين، فضلًا عن زيادة الخلافات بين أحزاب الاحتلال ما يؤجج حالة الصراع بينها.

من جهته يقول الخبير العسكري واصف عريقات، حول "كمين العلم": إنه "لا يمكن للاحتلال كما جرت العادة الإعلان عن خسائره وإخفاقاته، ومن الطبيعي أن تكون المعلومات بالنسبة له "تحت الأرض"، لكن المقاومة بنشرها فيديو تفاصيل العملية كشفت كل المعلومات وأبرزتها ولا يمكن للاحتلال إلا أن يعترف أخيرًا بها".

ويرى عريقات في حديثه مع صحيفة "فلسطين" أن هناك تداعيات لنشر الفيديو بهذا التوقيت، قائلًا: "إننا نعيش في حرب متشعبة مع الاحتلال تستخدم فيها الحرب النفسية والسلاح وأدوات مختلفة أخرى، والفيديو المصور للعملية هو سلاح يستخدم ضد الاحتلال الذي اعتاد أن ينكر الوقائع".

وبشأن عملية قصف حافلة تقل جنود جيش الاحتلال، يعتقد اللواء المتقاعد أن المقاومة أثبتت بالعملية قدرتها وجدارتها، حينما قصفت الحافلة بصاروخ "كورنيت"، وأن الهدف انتُقِي بدقة في زمانه ومكانه، فضلًا عن دقة الإصابة، ما له تأثير في معنويات الجنود الذين بقوا أحياء، إضافة للخسائر التي وقعت في صفوف القتلى.

وقصف الحافلة، والكلام لعريقات، مؤشر على أن قدرات المقاومة في تصاعد، وأنها تمتلك مفاجآت يمكن استخدامها، وأن هذا السلاح الذي أثبت فاعليته في المعارك السابقة سيكون مجالًا لها في المعارك القادمة، مشددًا على أن المقاومة حققت إنجازًا كبيرًا في هذه العملية في إطار المعركة الشاملة مع الاحتلال.