تحاصر سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنوه منزل عائلة الحاج محمد أبو عيشة (83 عامًا) في حي تل الرميدة وسط مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، فمن الجهة الشمالية مستوطنة "رماتي شاي"، ومن الجهة الجنوبية كنيس تلمودي، ومن الجهة الشرقية معسكر لجيش الاحتلال، ومن الجهة الغربية برج مراقبة يتبع الاحتلال.
يعيش الحاج أبو عيشة مع زوجته وأولاده وأحفاده داخل منزل مكوّن من طابقين مقام على مساحة لم تتجاوز 200 متر، وتعدّ هذه العائلة نموذجًا من العائلات الفلسطينية التي تواجه الاحتلال ومخططاته الاستيطانية في مدينة الخليل منذ سنوات طويلة، بصمودها وثباتها ضد الاحتلال، رغم التقصير الواضح من السلطة الفلسطينية في تعزيز صمود هذه العائلات.
تقول زوجته الحاجة ابتسام أبو عيشة (58 عامًا) لصحيفة "فلسطين": "مرات عديدة عرض علينا المستوطنون شراء المنزل، مقابل شيك مالي مفتوح، وفي كل مرة كان الرفض جواب العائلة".
وباءت محاولات الاحتلال كلها بالفشل إزاء شراء المنزل، فلجؤوا لممارسات التنكيل والضرب والتضييق على حياتهم اليومية، ظنًّا منهم أن ذلك سيجدي نفعًا.
وتعقب الحاجة أبو عيشة على ذلك بالقول: "أغرونا بالفلوس ورفضنا، ثم مارسوا علينا أبشع ممارسات التنكيل والاعتداءات اليومية في سبيل السيطرة على البيت".
وهاجمت قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين منزل أبو عيشة عدة مرات في محاولة للنيل من عزيمة العائلة وثباتها، إلا أنهم تفاجؤوا بصمود وثبات العائلة الفلسطينية في وجه الاستيطان.
وتضيف أبو عيشة: "يريدون منا الرحيل عن البيت ويحاولون اقتلاعنا، حيث إن المنزل محاصر من جهاته الأربع، ونافذة البيت مقابل نافذة المستوطنة".
فيما، قال الابن الأكبر تيسير أبو عيشة (43 عامًا) لـ"فلسطين": "عرض علينا المستوطنون تعبئة البيت بالأموال مقابل شرائه ورحيلنا من المنطقة، ولكن والدى رفض طرحهم، وأجابهم بأنه لديه أموال كثيرة ولا يريد بيع البيت، وأبدى رغبته بشراء بيوت المستوطنين في حال أعلنوها للبيع".
"لكن الصغار لا ينسون"
وأثبتت عائلة أبو عيشة المكوّنة من 15 فردًا فشل مقولة أول رئيس لوزراء الاحتلال ديفيد بن غوريون خلال محاولات تهويد الأرض والإنسان: "الكبار يموتون والصغار ينسون"، وأثبتت مقولة: "الكبار يموتون.. لكن الصغار لا ينسون".
وأكدت الحاجة ابتسام رفض العائلة المتكرر لأي محاولة من الاحتلال أو مستوطنيه لشراء المنزل، بقولها: "حتى أطفالنا يردون على المستوطنين برد الحاج نفسه: لا يمكن بيع المنزل".
وأوضحت الحاجة أن شرطة الاحتلال –ما بين عامي 2002/2005- عرضت عليهم الخروج من المنزل أكثر من مرة بذريعة أن الأوضاع غير مستقرة في إثر أحداث الانتفاضة الثانية، بقولها: "قالوا لنا اخرجوا من البيت شهرًا أو شهرين عند أقاربكم حتى تهدأ الأوضاع، وبعدها ارجعوا".
وتابعت القول: "لا نترك بيتنا خاليًا ولو ساعة وحدة خشية الاستيلاء والسيطرة عليه، وفي حال كان لدينا مناسبة معينة، نقسّم الأدوار بحيث لا يبقى البيت خاليًا".
معاناة يومية
وأكدت الحاجة ابتسام أن الاحتلال أو المستوطنين على حد سواء، "يعملون على تنغيص حياتنا اليومية في كل جوانبها، إذ إنهم حين يريدون شراء أغراض أساسية للمنزل، فالواجب عليهم أن يمشوا حوالي كيلو متر من أجل الوصول لأقرب بقالة، وفي طريق عودتهم، يتم تفتيش الأغراض التي بحوزتهم وفي بعض الأحيان يتم إتلافها.
ولفتت إلى أنه حتى في الأعياد لا يتمكن الأقارب والأهل من زيارتهم لكون الاحتلال يمنع دخول أي شخص من خارج الحي، متممة بالقول: "يأتي علينا العيد ولا نشعر به، لأن الاحتلال يمنع أهلنا من زيارتنا".
وليد أبو عيشة الذي يدرس الهندسة المعمارية وهو أحد أفراد هذه العائلة، يحدث "فلسطين" عن معاناته في الخروج إلى جامعته أو حتى أي مشوار يقصده، وقال: "في أي مشوار يجب علينا المرور عبر الحواجز الإلكترونية، وفي الأحوال نخضع إلى مزاج الجندي المناوب من أجل السماح بالمرور أو عدمه".
وأكد أن الاحتلال يمارس على العائلة الضغوطات اليومية من أجل إجبارهم على ترك المنزل، وأضاف أنه لا أحد من الأصدقاء أو الأقارب يستطيع زيارتهم إلا إذا كان مسجلًا لدى الاحتلال برقم مرتبط إلكترونيًّا بالحواسيب الخاصة بهم، وفق تعبيره.
تقصير فلسطيني
ونبّه إلى التقصير الفلسطيني من قبل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية تجاه أهالي تل الرميدة وتعزيز صمودهم في وجه الإغراءات التي تقدمها سلطات الاحتلال.
وأضاف: "في السابق كان هناك دعم فلسطيني على الصعيد الرسمي والشعبي لكل أهالي المنطقة من أجل تعزيز صمودهم في وجه الاحتلال، ثم ضعف هذا الدعم تدريجيًّا إلى أن قُطِع نهائيًّا".
في حين أكدت العائلة أن صمودها في وجه الاحتلال ومخططاته الاستيطانية مستمر حتى زواله عن أراض فلسطين المحتلة 1948.