بين كل فترة وأخرى بعيدة نسبيًا تخرج قرارات من أروقة محاكم الاحتلال الإسرائيلي تأمر بإعادة مئات الدونمات من الأراضي المسلوبة لأصحابها الفلسطينيين بعد معارك قضائية مرهقة تكلفهم جهدًا ومالًا. لكن تلك القرارات كما يقول مواطنون ومراقبون تبقى طي الأدراج ولا تجد لها رصيدًا على أرض الواقع، وإنما يستغلها الاحتلال إعلاميًا.
المزارع فوزي غانم من قرية "اماتين" شرق قلقيلية خاض تجربة مريرة مع ما تسمى "الإدارة المدنية" التابعة لسلطات الاحتلال بغرض استرداد أرضه، إذ بدأت القصة عام 1991م وانتهت عام 2016م.
يقول السبعيني لـ"فلسطين": "فرحت كثيرًا عندما نجحت في استصدار قرار قضائي من المحكمة العليا الإسرائيلية باسترجاع أرضي، إلا أن الصدمة كانت محاولة المستوطنين الاستيلاء على الأرض وتهديد أولادي بالقتل وإقامة بنية تحتية فيها، قبل أشهر".
ويصف قرار المحكمة بأنه "وهمي لا يساوي الحبر الذي كتب فيه، مثل قرارات الأمم المتحدة لا تطبيق لها على أرض الواقع"، وفق تعبيره.
ويضيف المزارع غانم، "أن المعركة ما زالت قائمة بين مد وجزر، والخطر يحدق بنا، فالأرض على الورق عادت إلى ملكيتي، لكن على أرض الواقع هناك استخدام لجزء منها من قبل المستوطنين ومحاولة للاستيلاء عليها بالقوة".
ويقول إنه في عهد الاحتلال والمستوطنين لا عدل ولا قانون ينصف الفلسطينيين.
ويضيف المسن غانم: "هذا واقعنا تحت الاحتلال، فقد تعبت من المحاكم والجلسات وإحضار الأوراق لإثبات حقي. لو أن مستوطنا اشترى أرضا في صفقة مشبوهة لجاءت القوات والآليات لتثبيت حقه على الأرض، أما الفلسطيني فلا ملكية له ولا حق ولو ملك أوراق الملكية كاملة".
وفي قرية "ياسوف" في محافظة سلفيت شمالي الضفة الغربية صدر قرار في حزيران الماضي باسترجاع أراض لصالح مجموعة من المواطنين، إلا أن سلطات الاحتلال منعتهم من الوصول إليها.
وعن هذه الواقعة يقول منسق لجنة الدفاع عن تلك الأراضي جمال الأحمد: "القرار باسترجاع الأراضي المصادرة وإخلاء المستوطنة التي اقيمت عليها كان وهميًا، فقد أعقبه قرارات من سلطات الاحتلال تحت بند إعلان الأراضي أنها (أملاك دولة)، ليعود أصحاب الأراضي من جديد إلى ملف المحاكم ورفع القضايا وحرق الوقت بدون فائدة".
ويؤكد الأحمد لـ"فلسطين"، أن سلطات الاحتلال تلتف على قرارات المحاكم وتبقيها في الأدراج مهملة، فالاستيطان إلى الأن قائم على تلك الأراضي.
غطاء أمني وسياسي
ويؤكد رئيس المجلس المحلي في "ياسوف" عبد الفتاح نشأت، أن قوانين العالم تعطي صاحب الأرض الحق في استثمار أرضه إلا أن سلطات الاحتلال تحرم الفلسطيني من ذلك، بينما في المقابل يعطى المستوطن الدخيل هذا الحق بالتجريف والاستغلال للأرض بحماية أمنية وغطاء سياسي".
ويقول الناشط في مناهضة الاستيطان بشار القريوتي: "نحن نتحدث عن مئات القرارات الصادرة من المحاكم الاسرائيلية باسترجاع الأراضي ولا يتم تنفيذ سوى 1% منها على أرض الواقع".
ويضيف القريوتي لـ"فلسطين"، أن الاحتلال يروج إعلاميًا بوجود هذه القرارات إلا أنها على أرض الواقع غير مطبقة.
ويسوق أمثلة على هذا الواقع ومنها قرية "قريوت" بالقرب من مستوطنة "شيلو" حيث تم الاستيلاء على 80 دونما مملوكة لأربعين مواطنًا، وصدر قرار عام 2016 بإخلائها وإرجاعها لأصحابها الأصليين بعد تقديمهم أوراق الملكية الخاصة، إلا أن المستوطنين قدموا اعتراضًا على هذه القرارات ومازالت بيدهم "كونها منطقة سياحية تم تأجيرها من قبل الإدارة المدنية ودائرة السياحة الاسرائيلية".
ويضيف كذلك أنه في "خربة سيلون" الأثرية صدر قرار بإرجاع الأراضي لأصحابها الفلسطينيين إلا أن سلطات الاحتلال تفرض على المزارعين رسومًا عند الدخول إليها كونها منطقة سياحية مع أن قرار المحكمة ينص على عودة هذه الأراضي إلى أصحابها وزراعتها وفلاحتها بحرية.
ويتابع: "في قرية جالود صودرت 300 دونم بالقرب من قرى المغير وترمسعيا، ولم يتم إرجاعها إلى أصحابها بالرغم من ذلك".
ويشدد على أن قوانين الاحتلال "تتغاضى عن حقوق الفلسطينيين لصالح المستوطن