عمَّ الإضراب الشامل، أمس، بلدة كفر قاسم داخل الأراضي المحتلة عام 1948م، إحياء للذكرى الـ62 لمجزرة كفر قاسم التي راح ضحيتها 49 شهيدًا برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وشارك المئات من أهالي البلدة، في مسيرة انطلقت من ساحة مسجد أبو بكر وجابت شوارع البلدة، وصولًا إلى ميدان النصب التذكاري، وسط هتافات منددة بالجريمة الإسرائيلية.
ووقعت مجزرة كفر قاسم مساء 29 أكتوبر 1956 بعد أن قررت قيادة جيش الاحتلال فرض حظر التجول على سكان كفر قاسم وقرى عربيّة أخرى متاخمة للحدود الأردنية آنذاك، كخطوات تحضيرية لشن حرب على مصر، ونقل قائد المنطقة الوسطى "تسفي تسور" الأوامر للضباط والألوية الميدانيين، وأوكلت مهمة تطبيق حظر التجول على وحدة حرس الحدود بقيادة الرائد شموئيل ملينكي، وبقيادة مباشرة من قائد كتيبة الجيش المرابطة على الحدود يسسخار شدمي.
أعطى شدمي الأوامر أن يكون منع التجول من الساعة الخامسة مساءً حتى السادسة صباحًا، وحسب التوثيق التاريخي للمجزرة أوعز شدمي لمالينكي بتنفيذ حظر التجول بيد من حديد وبلا اعتقالات إنما باستعمال القوة ضد المخالفين.
وتم إبلاغ مختار البلدة قبل نصف ساعة فقط من بدء منع التجول، والذي حذر من أن مئات من أهل القرية يعملون خارجها ولم يعودوا بعد، ولن يكفي نصف ساعة لإبلاغهم، إلا أن مندوب الجيش أجابه أنه سيتم الاهتمام بهم.
وبعد نصف ساعة وفي الخامسة مساءً بدأت المذبحة، حيث وُجِدت أربع فرق لحرس الحدود على مداخل القرية، وأخذت بإطلاق النار وإعدام كل من وُجِد في الخارج، وكل من كان عائدًا إلى القرية.
وخلال ساعة واحدة سقط في طرف البلدة الغربي 43 شهيدًا وفي الطرف الشمالي سقط 3 شهداء وفي داخل البلدة سقط شهيدان، وكان من بين الشهداء في كفر قاسم 9 نساء، و21 طفلًا.
وارتبطت مجزرة كفر قاسم بأسماء عدد من العسكريين الإسرائيليين أمثال الضابط يسخار شدمي الذي استدعى شموئيل ملينكي وأبلغه بقرار تكليفه مهمة حراسة الحدود وفرض منع التجول في قرى من بينها كفر قاسم، ثم أعطى التعليمات بارتكاب المجزرة.
وحاولت حكومة الاحتلال برئاسة ديفيد بن غوريون إخفاء حقيقة مذبحة كفر قاسم، إذ نُشر أول خبر عنها في الصحف بعد أسبوع من وقوعها أي يوم 6 نوفمبر/ تشرين الثاني، أما تفاصيلها فمنعت الحكومة وصولها إلى الرأي العام إلى يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 1956.
وكشفت وثائق مؤخرًا تورط حكومة الاحتلال بارتكاب المجزرة، إلا أنه جرى التكتم عليها بالرغم من مطالبات من قيادات في الداخل المحتل بنشر هذه الوثائق.
ملاحقة دولية
وأكد النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي، طلب أبو عرار، أن الذكرى الـ62 من المجزرة، ما زالت دليلا على الجرائم الإسرائيلية، مشيرا إلى أن (إسرائيل) ما زالت تتجاهل جرائمها المستمرة في قتلها الفلسطينيين.
وشدد أبو عرار في حديثه لـصحيفة "فلسطين" على ضرورة اعتراف (إسرائيل) في جريمتها، والاعتذار لأهالي الشهداء الذين ارتقوا برصاص جنودها، مطالبًا أن تكون "ذكرى هؤلاء الشهداء معترفًا بها سنوياً في (إسرائيل) وأن تدرس هذه الذكرى في جميع المدارس".
من جهته، قال رئيس بلدية كفر قاسم، عادل بدير، خلال المسيرة الجماهيرية: إن "هذا اليوم المشؤوم لن ننساه أبداً، ولن نغفر للمجرمين القتلة، وسوف نستمر في إحياء الذكرى لأجل شهدائنا"، مشيرا إلى أن ذكرى الشهداء ستبقى شعلة تنير دروب الفلسطينيين.
من جانبه، أكد رئيس لجنة المتابعة العليا، محمد بركة، أن مجزر كفر قاسم، جاءت ضمن مخطط لتهجير أهالي المثلث الجنوبي، قائلًا: "هذه الجريمة كانت مبيتة وليست صدفة، وعلى (إسرائيل) الاعتراف بها".
وشدد بركة، خلال كلمته، على أن الفلسطينيين لن يغفروا هذه الجريمة للاحتلال، مضيفا: "سنكون سدًّا منيعًا أمام مخطط بنيامين نتنياهو وحكومته، التي أقرت قانون القومية الذى يعد الترجمة الدستورية لمجزرة كفر قاسم".
وفي السياق، دعت جبهة النضال الشعبي الفلسطيني إلى تشكيل أكبر تجمع قانوني لرفع القضايا على مرتكبي جرائم الحرب من جنود وضباط جيش الاحتلال.
وقالت الجبهة، في بيان، أمس، إنه رغم مرور عقود على تلك المجزرة باتت الأخطار المحدقة بجماهير شعبنا كبيرة وخطيرة، وما زال خطر الترحيل والتهجير والمجازر جاثمًا.
وشددت على ضرورة عدم تفويت جرائم الاحتلال بحق أبناء شعبنا، وألّا تمر دون محاكمة دولية وملاحقة مرتكبي هذا المجازر البشعة في كلّ المحاكم الدولية وتقديمهم كمجرمي حرب.
وتوجهت الجبهة بالتحية إلى أهلنا في الأراضي المحتلة، مشيدة بصمودهم ونضالهم المتواصل الذي يشكل وحدة الدم الفلسطيني في مختلف أماكن وجوده.