أبت قوات الاحتلال إلا أن تمرر الجمعة الفائتة بارتكاب مجزرة جديدة راح ضحيتها سبعة شهداء، ستة على حدود قطاع غزة وواحد في الضفة الغربية وأكثر من مائتي جريح، ذنبهم الوحيد أنهم شاركوا في مسيرات ومظاهرات سلمية مناهضة للاحتلال ولم يشكلوا خطرا يتهدد قناصة الاحتلال المنتشرين عن بعد على حدود القطاع أو قوات الاحتلال التي تعمل على قمع المظاهرات والمسيرات السلمية في مختلف أنحاء الضفة. هذا بينما المجتمع الدولي يقف متفرجا في أحسن الأحوال فيما تدعم الإدارة الأميركية بكل ثقلها ما يرتكبه هذا الاحتلال من عدوان شامل ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه.
إن أي دولة متحضرة في العالم ما كان لها أن تقدم على مواجهة متظاهرين مدنيين بهذه الوحشية، وقد شاهدنا في كثير من الدول المتحضرة كيف تواجه حكوماتها وأجهزتها تظاهرات الاحتجاج، علمًا أن الشعب الفلسطيني سواء المحاصر في غزة أو الواقع تحت إجراءات وقيود وتعسف الاحتلال في الضفة، يمارس حقه الطبيعي في الاحتجاج على استمرار هذا الاحتلال البشع وعلى مصادرة حقه الطبيعي في العيش بحرية وكرامة على أرض وطنه وفي دولة مستقلة ذات سيادة كباقي شعوب الأرض.
فلطالما أن هذا الاحتلال لم يجد من يوقفه عند حدّه فهو ماضٍ في طريقه بارتكاب المجازر ضد الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع العالم المتواطئ معه والراكع للإدارة الأمريكية، تحت ذرائع ومبررات واهية كتهديد أمن (إسرائيل) وما يسمى سيادتها، في الوقت الذي قتلت وجرحت مسعفين لم يهددوا أحدًا وقتلت أطفالًا لم يهددوا جنودها المدججين بالسلاح، فهذا الواقع المأساوي الذي بات يتكرر مع تزايد أعداد الشهداء والجرحى عدا عن أعداد الأسرى في مختلف أنحاء الأراضي الفلسطينية يدفع إلى التساؤل: إلى متى سيواصل هذا الاحتلال إراقة الدم الفلسطيني على هذا النحو؟! وإلى متى سيواصل شعبنا وقواه وفصائله ضبط النفس إزاء هذا التصعيد الإسرائيلي المنهجي الخطير الذي لا يقتصر فقط على أعمال القتل والجرح والتدمير، وإنما يشمل استمرار مصادرات الأراضي وتوسيع الاستيطان وتهويد القدس والحصار الظالم على قطاع غزة وحملات الدهم والاعتقال في الضفة الغربية وغيرها من ممارسات الاحتلال؟!
يعتقد الاحتلال أن هذا التصعيد عبر استخدام جبروت القوة ونيران قناصته الموجهة إلى صدور المدنيين بإمكانه أن يكسر إرادة الشعب الفلسطيني الذي يتطلع إلى الحرية والاستقلال، كما يعتقد واهمًا أن أهلنا في قطاع غزة يمكن أن يقبلوا باستمرار هذا الحصار الظالم، أو يظنّ أن أهلنا في الضفة الغربية يمكن أن يقبلوا بإجراءاته التعسفية في مختلف أنحاء الأراضي المحتلة، من استيطان ومصادرات للأراضي وحواجز عسكرية، وتهويد للقدس ومساس بالأقصى والأماكن المقدسة وحملات مداهمة واعتقال يومية، إلخ من ممارسات هذا الاحتلال الذي يثبت يوميًّا أنه ضرب ويضرب عرض الحائط كل المواثيق والقوانين الدولية، مستخفًّا بحياة المدنيين الفلسطينيين، ومعتقدًا أنه فوق القانون الدولي وأن لا أحد يستطيع محاسبته أو معاقبته على هذا العدوان الصارخ الشامل على الشعب الفلسطيني وحقوقه، فهو واهم. بل إن هذا التصعيد يقود إلى انفجار الوضع في المنطقة والعودة إلى المربع الأول. ويبدو أن هذا الاحتلال يتجاهل دروس وعبر العقود الطويلة الماضية وخاصة أن جبروته وقوته وكافة الأساليب القمعية التي استخدمها ضد أبناء شعبنا، ودعمه من قبل حليفته الأولى بالمال والسلاح، لم ينجح كل ذلك في كسر إرادة الشعب الفلسطيني وتطلعه للحرية والاستقلال والعيش بكرامة في دولته المستقلة.
حقا "إن شر البلية ما يضحك" ففي حين كانت قوات الاحتلال ترتكب المجزرة في يوم الجمعة الثلاثين من مسيرات العودة كان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو يستقبل استقبال الابطال ويستضاف بحفاوة ونصبت له ومراسيم استقبال رسمية في إحدى العواصم العربية تمهيدا للتطبيع دون خجل ولا كرامة لدماء الشعب الفلسطيني التي تراق فداء للقدس والمقدسات وتزهق أرواحهم دفاعًا عن شرف هذه الامة، مما يدفعني للتساؤل مرة أخرى: كيف لهذه العواصم العربية والإسلامية أن تواصل الصمت إزاء ما يتعرض له الشعب الفلسطيني الأعزل؟ وأين هي النخوة العربية والشهامة العربية؟ وأين هي روح التضامن الإسلامي؟ وكيف يمكن السكوت عن استمرار هذا الوضع المذل والمهين لهذه الأمة التي لا تحرك ساكنا ولا تسكت متحركا.
فبقدر ما أننا نأسف لاستقبال عواصمنا العربية لزعمات اسرائيلية متطرفة، في الوقت الذي يناشد فيه الشعب الفلسطيني أمته العربية لمساندته والوقوف معه في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، إلا أنه وجد عكس ذلك تماما، لكن يجب علينا أن نأسف أكثر فأكثر على وضعنا الفلسطيني الداخلي المنقسم على نفسه لأكثر من عقد، فلا يعقل أن يتواصل هذا الانقسام المأساوي، خاصة وأن الجميع مستهدف من هذا الاحتلال وأن شعبنا موحد بطبيعته وبنضاله وهدفه وتضحياته، وقد حان الوقت للاستجابة لإرادة هذا الشعب وإنهاء الانقسام والتفرّغ لمواجهة التحديات الجسام التي يفرضها الاحتلال وحليفته الكبرى أميركا بهدف تصفية القضية الفلسطينية، لذا يجب تغليب المصلحة العامة على الخاصة، وأن نقدم قضيتنا على القضايا الأخرى الحزبية والتنظيمية.