قناةٌ تلفزيونية تبثّ القرآن في بعض الأوقات، وتبرز على الشاشة عبارة "عن روح المتوفى فلان"، وقناة أخرى يقوم عليها شخص يقول إنه مُعالج بالقرآن "يفك السحر الأسود والسفلي، ويعيد المطلقة إلى زوجها"، ويقول أيضاً إنه يعالج "نقص الحظ والنحس"، وفي الكثير من البرامج الدينية يتكرر مشهد اتصال أحد المشاهدين ليطلب من الشيخ أن يدعو له، مستندا في ذلك إلى ثقته بصلاح الشيخ وإيمانه..
"فلسطين" تساءلت عن الحكم الشرعي لمثل هذه الأشكال من التعامل مع القنوات التلفزيونية.
غير مُحبَّذ
عميد كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية الدكتور ماهر السوسي يقول عن بث القرآن في قناة تلفزيونية عن روح متوفى: "يوجد خلاف قوي بين العلماء في وصول أجر أي قراءة القرآن للمتوفى، فريقٌ يقول وصول ثواب قراءة القرآن وغيره من الاعمال للميت، سواء تم العمل من الولد أو من غيره، سواء كانت تطوعا عند البعض أسوة بالعبادات الأخرى، وهذا قول الجمهور من الأئمة الأربعة وغيرهم"
ويضيف في حديثه لـ"فلسطين" واستدلوا على القول بوصول ثواب العمل للميت بآيات من كتاب الله سبحانه وتعالى وأحاديث صحيحة عامة وخاصة تدل على وصول ثواب عمل الآخرين إلى الميت ومنها: قول الله تعالى:{ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } فقد أفادت هذه الآية الكريمة أن الله جل جلاله قد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، وهذا فيه دلالة واضحة على انتفاعهم بهذا الاستغفار.
وأما الأدلة من السنة الشريفة فأحاديث كثيرة صحيحة عامة وخاصة تدل على وصول ثواب عمل الآخرين إلى الميت منها: عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم. فقد أفاد الحديث الشريف أن من تصدق عن ميته وفي ثوابه فإن ثواب الصدقة يصل إلى هذا الميت، وهذه صدقة غير موصى بها ولكن تبرع ابنها من غير وصية ومع ذلك فقد بين له عليه الصلاة والسلام بأن لها أجر إن تصدق عنها بمعنى أن ثواب الصدقة يصلها.
ويوضح أن: "الفريق الثاني يقول بعدم وصول ثواب القراءة إلى المتوفى، ومنهم من قيد ذلك فقال إن الميت لا يلحقه ثواب القراءة، وحتى يصل الثواب إلى الميت فله أن يعقب القراءة بالدعاء للميت لأن الدعاء يلحقه، والدعاء بعد القراءة أقرب إجابة وأكثر بركة، وقال بعضهم إن نوى القارىء بقراءته أن يكون ثوابها للميت لم يلحقه، وإن قرأ ثم جعل ما حصل من الأجر للميت فهذا دعاء بحصول ذلك الأجر للميت فينفع الميت لكن الرأي الأول أصح الأقوال".
وبناءً على ما سبق؛ يبين السوسي أن بث القرآن عن روح الميت من قريب المتوفى أو غيره فأجره يصله.
ويشير إلى أن الدفع لبث القرآن فيه آراء أيضاً، إذ يوجد خلاف على جواز أخذ الأجرة على القرآن، وهو فعل غير جائز بحسب فريق كبير من العلماء، لأن القرآن ليس مهنة يُتكسّب بها، لافتاً إلى أن: "البعض في عصرنا الحالي يقول بجواز الأجرة شرط أن يكون من يقرأ القرآن بأجر لا عمل له، فتكون الأجرة بمثابة صدقة ليعتاش منها، وهذا لا ينطبق على المحطات الفضائية التي لا تُعد ضمن الفقراء والمحتاجين، والمحطة ليست مضطرة إلى هذا الفعل، ولا نحبذ القيام بهذا الأمر".
الكل يدعو ويقرأ
ويقول السوسي عن اتصال البعض بالدعاة في البرامج التلفزيونية ليطلب منهم الدعاء له إنه لا يجوز التوسل بالأولياء والصالحين إلى الله، لأن لا واسطة بين الله والبشر، فهو تعالى قال: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان"، وقال أيضاً: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم".
ويضيف: "الدعاء جزء من العبادة، ولا يجوز لأحد أن يعبد الله بدل أحد، إلا كان ذلك لو برخصة"، متابعاً: "الله وعد باستجابة الدعاء من أي إنسان، فأي إنسان يدعو بنية خالصة يتقبل منه الله، إذ قال عز وجل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، فلماذا لا يستجيب البعض ويدعو، وبدلا من ذلك يطلب من غيره أن يدعو له".
ويواصل: "ثم من قال إن هؤلاء أتقياء أنقياء تُقبل دعواتهم؟ وكيف عرفنا أنهم كذلك؟"، موضحاً: "هذا الفعل أمام المشاهدين فيه سمعه ورياء، ولو فعل الشيخ ذلك فكيف يدّعي أن دعوته مُجابة".
ما سبق ينطبق أيضاً على العلاج بالقرآن تلفزيونياً، إذ يبين السوسي: "نفس ما قيل سابقا، وهؤلاء في غالبهم مشعوذون وغير صادقين ولا يُوثق بهم ولا يُركن إليهم، وأي إنسان يستطيع يقرأ القرآن على نفسه، فالقرآن ملك الكل، وليس لشخصٍ واحد، فالكل يقرأ من كتاب الله ويرقي نفسه، وفي هذا نوع من أنواع التكسب".