فلسطين أون لاين

الإعدامات الميدانية

استباحة الدم الفلسطيني من خلال إطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي الرصاص على الفلسطينيين وإعدامهم ميدانيا على الحواجز العسكرية، بحجة محاولاتهم تنفيذ عمليات طعن، أضحت مسلسلاً ممنهجاً في استهداف الفلسطينيين يوصل رسالة بأنَّ الكلّ الفلسطيني ليسوا بمأمن، وأنَّ الموت قريب منهم بأيّ لحظة مزاجية من أحد الجنود الإسرائيليين، فقد شهدت مدينة الخليل مسرحاً لجريمة إعدام ميدانية جديدة، نفَّذها جنود الاحتلال بإطلاق النار صوب شاب فلسطيني بحجة محاولته تنفيذ عملية طعن بالقرب من الحرم الإبراهيمي.

ما قامت به قوات الاحتلال بإعدام الفلسطيني ميدانيا، ليست العملية الوحيدة، بل هي استكمال لممارسات كثيرة من القتل الميداني، وأصبحت متأصلة في المجتمع الإسرائيلي الذي يغلب عليه طابع العسكرية والدموية والحقد بناء على فتاوى حاخامية دينية متطرفة، فقد صدر كتاب "عقيدة الملك" في شهر تشرين ثانٍ 2009م وهو من تأليف الحاخامين يتسحاق شابيرا ويوسيف اليتسور من مستوطنة "يتسهار". يهدف كتاب "عقيدة الملك" إلى تحديد موقف العقيدة والشريعة اليهودية من "الأغيار" حيث ينبغي للدولة اليهودية واليهود التزامهما والسير وفقهما. ويعد أن اليهود أفضل عرق بشري، وهم وحدهم الآدميون الحقيقيون، في حين أن "الأغيار" –أي غير اليهود–في مرتبةٍ أدنى، وتقترب مرتبتهم كثيرًا من منزلة الحيوانات، لذلك ينبغي للدولة اليهودية واليهود اتخاذ مواقف التمييز ضدهم أو السماح بقتلهم، أو ينبغي قتلهم.

فأعمال القتل والذبح سبقت إقامة (إسرائيل)، فقد نفذت منظماتها وعصاباتها الإرهابية عمليات قتل وتصفية للمئات من القيادات الفلسطينية التي تتعارض مع احتلالها الأراضي الفلسطينية وتعمل من الخارج، وما أكثر الرموز التي قامت (إسرائيل) بتصفيتها، بناء على القانون الذي وضعه رئيس الحكومة، وزير الجيش "دافيد بن غوريون"، عام 1951م، أثناء مناقشته قانونا لإعدام الفلسطينيين بقوله: "إن العرب ليسوا بشرًا، وإن كل شيء مسموح به تجاههم، مع أن الاعتقاد بأن الشرائع الإلهية اليهودية تنص على قتل العرب، إلا أن ما تقوله السلطات الإسرائيلية ضد قتل العرب ليس جديًا والحقيقة أن الحكومة تبارك قتل العرب لتخفيض أعدادهم، والتخلص من أكبر عدد من الفلسطينيين، فكانت النظرية الإسرائيلية بالتخلص من أكبر عدد منهم، من خلال سياسة القتل والطرد والتهجير، لتطبيق الشعار اليهودي القائل: "شعب بلا أرض، لأرض بلا شعب".

واللافت للنظر أنَّ أماكن إعدام الفلسطينيين بحجة الطعن تقع جميعها على الحواجز العسكرية التي يضعها الاحتلال، مع أن هناك شهادات فلسطينيين أكَّدت أنَّ جنود الاحتلال يتعمدون دس سكين تحت كرسي سائق السيارة التي تعبر الحواجز ويتهمون صاحبها بمحاولة طعن جنود، وبذلك يكون مصير صاحب السيارة القتل أو اعتقاله على أقل تقدير، وأكثر من ذلك أن يلقوا سكينا بجوار الشهيد الملقى على الأرض وينزف دما حتى يوثقوا جريمة القتل أمام كاميرات الإعلام لتبرير جريمة القتل مثلما فعلوا مع الشهيد فضل القواسمي وهديل الهشلمون والشهيد عبد الفتاح الشريف وغيرهما.

وبسبب غياب وسائل التواصل الاجتماعي، والتوثيق المرئي في السابق، فقد كان الاحتلال يتستر دائمًا وراء مقولة إن التحقيق العسكري أثبت أن الجنود عملوا بموجب أوامر إطلاق النار وأن حياتهم كانت معرضة للخطر، دون الأخذ على الإطلاق بشهادات شهود عيان فلسطينيين، فعمليات القتل التي نفذها جنود إسرائيليون كانت بدم بارد ولم يحاكموا أمام القضاء، وقدمت اتهامات مخففة بحقهم، وبالتالي إصدار أحكام مخففة تبعها إعلان العفو العام عن هؤلاء الجنود، منذ التحقيقات التي أجريت في جرائم القتل التي جرت في حرب النكبة، بسبب تواطؤ المؤسسة الإسرائيلية وجهازها القضائي العسكري والمدني، إلى جانب مؤسسة الرئاسة الإسرائيلية المخولة بمنح العفو العام والتساهل وعدم تجريم أو محاكمة جنود وعناصر شرطة الاحتلال على إثر جرائم قتل بدم بارد.

والآن أصبح القتل أكثر دموية وبشاعة وإعدامات في الشوارع، وحرق عائلات داخل منازلها، وتتغذى من الفتاوى الدينية، والمزايدات بين السياسيين والأحزاب لاستثمارات انتخابية، وإن مقولة إن (إسرائيل) ديمقراطية، وإنها دولة القانون، هي مزاعم تبخرت، وتكشفت، في أعقاب الإعدامات الميدانية التي أدت لقتل مئات الفلسطينيين، وإطلاق الجندي "اليؤور عزرياه" النار على رأس الشهيد الفلسطيني عبد الفتاح الشريف، وهو ملقى على الأرض جريحًا وقتله.

فبعد عامين ونصف من إعدام الشهيد عبد الرحمن الشريف، قال الجندي في جيش الاحتلال " أليئور أزاريا": "غير نادم على ما فعلته، ولو تكررت نفس الظروف لكنت أطلقت النار وقتلته".

وأكَّد الجندي أنَّه تصرّف كما يجب ووفق التدريبات التي تلقاها في الجيش، وأنَّه ليس نادمًا على جريمة القتل التي ارتكبها في (آذار/مارس عام 2016)، حيث أطلق النار من مسافة قريبة على الشهيد عبد الفتاح الشريف في تل الرميدة في مدينة الخليل، بينما كان الشريف مصاباً على الأرض ولا يقوى على الحراك أو الدفاع عن نفسه.

هذا يثبت أنَّنا نتحدَّث عن جرائم قتل عمد ليست مرتبطة بظروف خاصة أو حادثة معينة، بل عن أيديولوجية عنصرية لدولة الاحتلال تتمثَّل بكراهية الفلسطينيين والعمل على قتلهم، يغذيها شعورهم بالإفلات من العقاب، فما يتم هي جرائم مختومة بالقرار الرسمي لدولة الاحتلال.

(إسرائيل) ماضية في هذه السياسة دون خوف، لا سيما وهي تشعر أنَّها لا تدفع أيَّ ثمن لهذه الجرائم الخطيرة، مع غياب كامل للإرادة الدولية لكبح هذه السياسة.