السرية التي انتهجتها المقاومة الفلسطينية في ملف أسر الجندي في جيش الاحتلال جلعاد شاليط عام 2006م، وإبرام صفقة تبادل داخل فلسطين، أبرز القيم الأمنية والسياسية التي رافقت هذه العملية.
وفي 18 تشرين الأول (أكتوبر) احتفل الشعب الفلسطيني ومقاومته بصفقة التبادل "وفاء الأحرار"، التي أفرج بموجبها عن 1027 من الأسرى الفلسطينيين، مقابل الجندي في جيش الاحتلال جلعاد شاليط.
وكان شاليط أسر في 25 حزيران (يونيو) 2006م في عملية "الوهم المتبدد"، التي نفذتها فصائل مقاومة، في مقدمتها كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
واستهدفت العملية قوة احتلالية مدرعة من لواء "جفعاتي" في موقع كرم أبو سالم العسكري بين رفح وفلسطين المحتلة سنة 1948م، حيث نجح المقاومون في التسلل عبر نفق أرضي كانوا قد حفروه سابقاً، ما ساعدهم على مباغتة القوة الاحتلالية.
يقول الاختصاصي في الشأن العسكري يوسف الشرقاوي: "إن قيمًا أمنية عدة حققتها المقاومة في ملف أسر الجندي شاليط، منها سرية المقاومة في إعدادها للعملية بدءًا من مرحلة حفر للنفق إلى الإعداد والتدريب لاختراق موقع العملية".
ويبين الشرقاوي لصحيفة "فلسطين" أنّ أجهزة أمن الاحتلال فشلت في الكشف عن أي معلومة لأخذ الاحتياطات اللازمة، أو إفشال العملية قبل بدئها، وهو ما يعطي قيمة كبيرة للمقاومة وخططها الأمنية، ويحسب فشلًا أمنيًّا استخباريًّا للاحتلال.
ويلفت إلى أن الاحتلال أجهزته الأمنية دفعت أثمانًا كبيرة من أجل الكشف عن مكان الجندي الأسير في غزة، لكنها لم تُفلح في ذلك، لتكسر مزاعم الاحتلال التي روجها مرارًا أن يده الاستخبارية "عالية".
ويشير إلى أن الاحتلال بعد فشله في التقدم خطوة أمامًا للعثور على جنديه شاليط شن الحرب العدوانية على قطاع غزة نهاية 2008م وبداية 2009م، غير أن هذه الخطوة أيضًا باءت بالفشل الذريع، وبقيت المقاومة محتفظة بشاليط.
ويؤكد الشرقاوي أن صمود المقاومة، وإصرارها على عدم التفريط بورقة شاليط من يديها، رغم حالة الضغط الموجهة عليها، قادا في نهاية المطاف إلى إذعان الاحتلال للوسطاء في عملية التبادل، وقد كانت خطوة التبادل وعملية التمويه في نقل شاليط من مكان أسره كذلك إنجازًا حسب للمقاومة وعملها الأمني.
وبشأن النتائج السياسية التي حققتها الصفقة يرى المحلل السياسي صلاح حميدة أن القيمة الأولى التي حققتها الصفقة أنها نفذت داخل الأرض الفلسطينية، وداخل قطاع غزة تحديدًا.
ويقول حميدة خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين": "إنّ المقاومة استطاعت الاحتفاظ بالجندي "شاليط" لديها، في قطاع غزة، وقد أكدت طيلة سنوات أسره أنّ كيان الاحتلال في وضع ضعيف".
ويشير إلى أن عملية أسر شاليط، وعملية التبادل أحيتا ملف الأسرى في سجون الاحتلال على طاولة العالم سياسيًّا، ونجحت صفقة "وفاء الاحرار" في كسر "الخطوط الحمر" الاحتلالية في قضية الأسرى، إذ أفرج الاحتلال عن أسرى من سجونه كان يزعم أنهم سيبقون في الأسر طيلة حياتهم.
ويؤكد حميدة أن حركة حماس بإنجاز صفقة التبادل زادت من أسهم شعبيتها، لاسيما أن الصفقة شملت أسرى من ذوي الأحكام المرتفعة، ومن التنظيمات كافة، ومن محافظات الوطن كافة: من الضفة الغربية وقطاع غزة ومدينة القدس، حتى مدن فلسطين المحتلة عام 1948م.
يذكر أنّ المقاومة في ضوء ما حققته من إنجاز في صفقة التبادل التي تمثل فخرًا سياسيًّا وطنيًّا تحفزت إلى أسر جنود آخرين في جيش الاحتلال، لمبادلة بهم الأسرى المتبقين في سجونه، لأن هذا الحل هو الوحيد، وقد تحقق فعليًّا هذا الأمر في انتظار صفقة تبادل جديدة.
ويرى حميدة أن في المجتمع الإسرائيلي نظرة داخلية تقر بتآكل ما تسمى "قوة الردع" الاحتلالية، وإمكانية خضوع الاحتلال في مرات قادمة لصفقة جديدة وإطلاق سراح المزيد من الأسرى الفلسطينيين.
وأنجزت صفقة التبادل بعد أكثر من خمس سنوات قضاها شاليط في الأسر بمكان سري في قطاع غزة، بعد أن عجز الاحتلال بكل قدراته الاستخبارية عن الوصول إلى مكان أسره، وفشلت حربه العدوانية التي شنها نهاية2008م وبداية 2009م في إنقاذه من الأسر.