إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن الولايات المتحدة قررت دمج القنصلية الأمريكية العامة في القدس، مع السفارة الأمريكية التي نقلتها مؤخرا من "تل أبيب" إلى القدس، بقرار من ترامب عقب اعترافه بها عاصمة للاحتلال.
وقد ادعى الوزير الأمريكي أن الهدف من دمج القنصلية بالسفارة هو لزيادة التأثير والكفاءة الأمريكية وليكون هناك هدف دبلوماسي أمريكي واحد، ولا يعتبر ذلك تغير بالسياسة الأمريكية تجاه القدس أو الضفة الغربية أو قطاع غزة.
اللافت للنظر أن قرارات الإدارة الأمريكية تعجيل الإجراءات من خلال تعهدها بتحويل مجمع القنصلية الذي تم افتتاحه في 2010 ويقع على الخط الأخضر الذي يفصل بين شرقي القدس وغربيها، إلى مبنى مؤقت لسفارة بلادها، بحجة عدم توافر المكان وأن مبنى القنصلية غير مناسب ترميمه أو بناؤه من جديد.
الحقيقة أن فريق نتنياهو هو الذي يخطط ويقرر وما على الادارة الأمريكية إلا أن تنفذ، وكل هذا يسخره نتنياهو في خدمة أهدافه لكسب التأييد الداخلي، في معركته مع القضاء، ثم يمكن توقع أنّه نسّق الخطوات اللاحقة مع أصدقائه الذين لا يقلون صهيونية عنه؛ ديفيد فريدمان، السفير الأميركي، وأديلسون الذي يدعم نتنياهو شخصيًا، حتى ضد قيادات اليهود الأميركيين التقليديين والكبار، وصاحب الكلمة المسموعة عند ترامب بحكم تبرعاته السخية، وبحكم مصالح مشتركة ضخمة مع ترامب، ومع صهره الصهيوني جارد كوشنير.
الشعب الفلسطيني، ومعه أمته العربية والإسلامية، وكل أحرار العالم، وبإيمانه بعدالة قضيته وحقوقه المشروعة، وبإرادته التي لا تلين لن يكون الخاسر بسبب موقف باطل اتخذه ترامب، بل إن الخاسر الأكبر هو الولايات المتحدة الأمريكية التي باتت معزولة، ليس في الشرق الأوسط فحسب، وإنما في مناطق مختلفة من العالم، بسبب السياسة المتهورة التي ينتهجها ترامب إلى الدرجة التي دفعت الرئيس السابق باراك أوباما إلى التحذير من ظهور هتلر جديد في أمريكا.
لذا يعتبر نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس اجمالا تحديا للأمتين العربية والإسلامية فقط، بل أيضا للعالم المسيحي لأن هذا الإجراء لا يتوقف عند نقل السفارة للقدس والاعتراف بها عاصمة للاحتلال فقط، بل من شأنه التعجيل في تهويد المدينة لسعي سلطات الاحتلال الحثيث لإزالة كل ما يتعلق بالعرب فيها مسلمين ومسيحيين بشرًا وحجرًا، فقد لا يغيّر موعد نقل السفارة كثيرًا من المعنى السياسي لقرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، ولكنّ آلية اتخاذ القرار ومن ثم تنفيذه بهذه السرعة له دلالات مهمه بالنسبة لأمريكا والاحتلال، وهو الاستخفاف بالمجتمع الدولي والقرارات الدولية بالإضافة لأنه يعد استفزازًا لمشاعر العرب والمسلمين.
فالمقاربة الأمريكية المستخدمة اليوم تأتي لإرضاء "اللوبي اليهودي" و"إيباك" ونتنياهو، الداعمين الأساسيين لترامب في الانتخابات والفوز بالرئاسة، والمتسترين على فضيحة تواطئه مع روسيا في أثناء اﻻنتخابات (ردًّا للجميل( وعلينا الانتباه جيدًا إلى خديعة الإدارة الأمريكية بجرنا إلى عملية السلام تحت أي حجج ومبررات فيما يعرف بـ"صفقة القرن" أو ما شابه ذلك، أو ابتزاز الطرف الفلسطيني، بمقايضة قضية القدس المحتلة بقضية إرجاع مكتب تمثيل منظمة التحرير في واشنطن، وهذه المقايضة لا أعتقد أن هناك أي عاقل يوافق عليها، فالقدس مرتكز أساسي من مرتكزات المشروع الوطني، وأهم من أي تمثيل أو صفقات، ويكفي ما ارتكبناه من خطيئة كبرى بتأجيل مصير القدس إلى ما سمي بالمرحلة النهائية، التي ما زلنا ندفع ثمنها حتى اليوم، لذا علينا أن نكون يقظين لأي لعبة وخديعة سياسية جديدة من الإدارة الأمريكية، والتعامل معها على أساس أنها طرف منحاز إلى حليفه، لا طرف نزيه، كما خدعونا بهذا المسمى الكاذب طوال العقود السابقة، فصحيح يبدو لنا اجراء نقل السفارة ومن ثم دمجها بالقنصلية الامريكية والاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال تحديًا واستفزازًا لمشاعرنا، لكنه في الوقت نفسه لن يلغي عروبتها وإسلاميتها (بشهادة يونسكو).