تهديدات قادة الاحتلال الإسرائيلي تعلو يومًا بعد يوم نحو توجيه ضربة "قاسية وقاصمة" للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، نتيجة فشل جيش الاحتلال في إيقاف زخم مسيرات العودة التي تتصاعد وتيرتها جمعة بعد أخرى، قرب السياج الفاصل شرق القطاع.
غير أنّ تلك التهديدات تصطدم بجدار المعارضة من قادة جيش الاحتلال وهيئة أركانه، التي ترى أن الدخول في مواجهة مع المقاومة بغزة قد يفضي في نهاية المطاف إلى إشعال حرب غير واردة في الحسابات.
فمن جهتهما هدد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير جيشه أفيغدور ليبرمان، بتوجيه ضربة قاسية وموجعة لغزة إن استمرت مسيرات العودة قرب السياج الفاصل، لكنّ قادة من الجيش ومسؤولين آخرين عارضوا هذا التوجه، وفق ما نقلت وسائل إعلام عبرية.
وبحسب صحيفة "هآرتس"، فإن جيش الاحتلال يستعد لتكثيف الرد على المظاهرات في غزة لكنه يُحذر من عواقب المواجهة العسكرية الواسعة، ويصفها بأنها "غير ضرورية" على خلفية تصريحات نتنياهو وليبرمان الأخيرة.
تضارب توجهات قادة الاحتلال في التعامل مع غزة، يضع تساؤلًا مهمًّا حول الخيارات والسيناريوهات المتوقعة في المرحلة القادمة، سيّما في ظل تصاعد وتيرة الأحداث قرب السياج الفاصل.
حسابات أخرى
ويقول المختص في الشأن الإسرائيلي نظير مجلي، إن ما يجري في الشارع الإسرائيلي يُعبر عن واقع حكومة اليمين المتطرفة التي تعتمد على الشعارات والعواطف، وتحاول إذابة سياستها بطريقة عدوانية عمياء.
ويوضح مجلي في حديث لصحيفة "فلسطين"، أن جيش الاحتلال له حسابات أخرى مرتبطة بالجبهة الشمالية، خشية حدوث تطورات ميدانية خارجة عن الحسابات، إضافة إلى حسابات متعلقة بالإستراتيجية والتكتيك.
ويشير إلى أن حكومة الاحتلال اليمينية بقيادة بنيامين نتنياهو، توصم بالتطرف أكثر من الجيش، في حين يدير الأخير الأمور من ناحية عسكرية، وهو ما يؤدي إلى وجود تضارب في التوجهات بين المستويين السياسي والعسكري.
بدوره، يلفت الباحث في الشأن الإسرائيلي د.كمال علاونة الانتباه إلى أن تهديدات الاحتلال ضد غزة ليست جديدة بل متواصلة منذ سنوات طويلة.
ويصف علاونة في حديث لـ"فلسطين"، تصريحات نتنياهو وليبرمان الأخيرة بـ"الهوائية"، عادًّا أنها تندرج في إطار استمرار المشروع الصهيوني والهجوم الدائم ضد المقاومة في كل فلسطين.
ويرى أن قوة الردع التي تمتلكها المقاومة في غزة جعلت الاحتلال يُفكر كثيرًا في مسألة توجيه ضربة قاسية للقطاع، واصفًا الحالة الراهنة في القطاع أنها "بين الحرب والسلم".
وتصريحات ليبرمان لم تتوقف على مدار اليومين الماضيين، فقد صرح خلال زيارته لمنطقة غلاف غزة، أمس أن "حماس تجاوزت الخطوط الحمراء، لأن الجميع لن يقبل استمرار الأوضاع على ما هي عليه وقبول التظاهرات على حدود غزة أسبوع تلو الآخر"، كما قال.
وأضاف: "في نهاية تقييم الوضع في غزة أقول: لقد حان الوقت لاتخاذ قرار بتوجيه ضربة قاسية لحماس حتى لو على حساب حملة عسكرية واسعة".
ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي د.مأمون أبو عامر، أن هذه التهديدات تندرج في سياقات سياسية، أولها تحذير لحركة حماس.
أما السياق الثاني والكلام لأبو عامر، له علاقة بالشأن الداخلي في الشارع الإسرائيلي، مع اقتراب موعد انتخابات "الكنيست"، مشيرًا إلى أن ليبرمان يسعى لإثبات نفسه قويًا وقادرًا على تنفيذ تهديداته.
ويشير خلال حديثه مع "فلسطين"، إلى أن ليبرمان يُعرف بمواقفه المتشددة، لكن تصريحاته لم تخرج إلى حيز التنفيذ، "لذلك يحاول أن يرمم هذه الصورة، عبر التهديد بتوجيه ضربة قاسية لحماس في غزة"، وفق تقديره، مستدركًا: "لكن الكابينت لا يقبل بتنفيذ هذه التهديدات، ولا يوجد أي نية لتوجيه ضربة عسكرية كبيرة في غزة".
سيناريوهات مُقبلة
وعن السيناريوهات المُحتملة لتعامل الاحتلال مع غزة، يلفت علاونة من جانبه إلى أن حكومة الاحتلال وضعت ثلاثة سيناريوهات كإستراتيجية للمرحلة المقبلة، الأول: هو الإبقاء على الوضع الراهن، "وهو ما تراهن عليه حكومة الاحتلال حاليًّا".
والسيناريو الثاني: اجتياح قطاع غزة كاملًا، وهو ما يهدد به نتنياهو وليبرمان في الآونة الأخيرة، "لكنه أمر مُستبعد ولن يُقدم عليه جيش الاحتلال". أما السيناريو الثالث فهو توجه الاحتلال نحو اجتياح جزئي لقطاع غزة، والعودة لسياسة الاغتيالات لبعض القادة والمقاومين، "وتنفيذ هذا السيناريو مرتبط بالأوضاع الميدانية وتدهورها".
ويوضح علاونة أن الأوضاع في الأراضي الفلسطينية تقف على "مفترق طرق"، في ظل محاولات تصفية القضية الفلسطينية وحقوق اللاجئين، والاعتراف الأمريكي بالقدس المحتلة عاصمةً للاحتلال.
في حين يرى مجلي أن السيناريو الأبرز سيكون وفق حسابات جيش الاحتلال، أي بقاء الأوضاع الراهنة كما هي حتى نهاية عام 2019، بعيدًا عن أي توجّه لاجتياح عسكري واسع لقطاع غزة.