ما إن لامس عكّازاه الأرض الترابية التي يسير عليها، حتى ارتكز الشاب الجريح جهاد زقوت (24 عاما) بثقله إليهما وانتقل خطوة للأمام، وتبعها بخطوات سريعة متتالية.
وإن كانت رصاصة القناص الإسرائيلي أصابته في ساقه وجعلته لا يقدر على الحركة إلا باستخدام العكازين، إلا أنها لم تحد من رغبته الجامحة في المشاركة مجددًا بمسيرة العودة وكسر الحصار السلمية.
وأصيب زقوت برصاصة في ساقه اليمنى، أثناء مشاركته في المسيرة الممتدة منذ 30 مارس/ آذار الماضي، التي وافق تاريخ انطلاقها الذكرى الـ42 ليوم الأرض. وأحيا الغزِّيون هذه الذكرى بإطلاق المسيرات في نقاط تجمع لها تمتد شمالاً وشرقًا، على طول السياج الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المحتلة منذ نكبة 1948.
وتغطي اللفافات البيضاء ساق زقوت الأيمن كاملاً إثر إصابته في 19 سبتمبر/ أيلول الماضي عندما كان مشاركًا في فعاليات المسيرات قرب حاجز بيت حانون (إيريز) شمال قطاع غزة.
وكان الشاب يسير بسرعة على عكازين يتكئ عليهما، وساق واحدة يتنقل بها للمشاركة في فعاليات المسير البحري الثاني عشر، الإثنين الماضي.
وبدا غير مبالٍ بقمع جنود الاحتلال الإسرائيلي المتحصنين في ثكنات عسكرية وزوارق حربية، للمتظاهرين السلميين وقوارب كسر الحصار التي انطلقت من ميناء الصيادين ووصلت حتى الحاجز البحري الإسرائيلي في أقصى شمال غرب القطاع الساحلي.
"لم أعد أخاف من جنود الاحتلال. لقد كسرت كل الحواجز" قال زقوت لصحيفة "فلسطين"، بصوت حمل بين طياته نبرة تحدي.
ولأول مرة منذ سنوات طويلة، استطاع آلاف الغزِّيين الوصول للسياج الفاصل مع الأراضي المحتلة كما جرى مع زقوت، وفي أحيان كثيرة اجتازه المئات والتقطوا الصور ومقاطع الفيديو القصيرة.
ولجأ جنود الاحتلال المتحصنين والمدججين ببنادق قناصة، إلى استخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين، فقتلوا منهم أكثر من مئتي مواطن بينهم مسعفون وصحفيون، وأصابوا أزيد من 20 ألفًا آخرين.
ويقول زقوت الذي كان يتقدم مجموعة شبان في طريقهم إلى موقع "زيكيم": "إن الرصاص وقنابل الغاز والزوارق الحربية، لن ترهبنا أو تخيفنا ولن تجبرنا على التراجع، ومصر على المشاركة رغم جرحي".
وأثناء سير هؤلاء الشبان، انقض زورقان حربيان على واحد من قوارب كسر الحصار عندما حاول الاقتراب من الحاجز البحري الإسرائيلي الذي أنشأه جيش الاحتلال.
وعندها، وقف زقوت وتأمل المشهد لثوانٍ معدودة، قبل أن يكمل سيره بعكازيه والشبان من خلفه يهتفون "بالروح بالدم نفديكِ يا فلسطين".
ونادى بأصدقائه: "مستمرون حتى الرمق الأخير.. لنكسر الحصار ونحقق العودة، وهذا حقنا وحق أهلنا".
وما إن اقترب الشبان المدنيون إلى سياج موقع "زيكيم"، حتى باغتتهم قوات الاحتلال بإطلاق الرصاص والقنابل.
ووسط هذا كله، اندمج زقوت في فعاليات المسير البحري، واستطاع الوصول إلى مكان قريب من السياج قبل أن يطلق جنود الاحتلال الرصاص والقنابل مجددًا على المتظاهرين، فتراجع قليلاً قبل أن يعاود الكرة مرة أخرى ويتقدم من جديد.
وهذا ليس حال لسان زقوت فحسب، بل هو حال شبان كثر حاصرهم الاحتلال بغزة ما يزيد عن عقد من الزمان، فأفقدهم فرص الحياة الكريمة، وعندما ثاروا سلميا ضد الجوع قمعهم بأسلحة محرمة دوليا، كان أبرزها الرصاص المتفجر.