إثر عملية معقدة نفذتها في القاعدة العسكرية الإسرائيلية لمنطقة كرم أبو سالم شرق رفح في الخامس والعشرين من يونيو/ حزيران 2006، فجرت المقاومة الفلسطينية في غزة مفاجأة بإعلانها أسر جندي إسرائيلي، لتشكّل العملية أزمة لحكومة الاحتلال وبارقة أمل لدى الأسرى الفلسطينيين بالإفراج عنهم في صفقة تبادل.
وفي أسرار وكواليس العملية المعقدة، نجحت وحدة الظل التي تشرف عليها كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس في إخفاء الجندي بحرفية أمنية عالية، على الرغم من محاولات مخابرات الاحتلال للكشف عن مكانه عبر العملاء، والتتبع الإلكتروني الحثيث.
وعلى إثر اخفاقه في العثور على مكان جنديه، شن الاحتلال الإسرائيلي عدوانا واسعًا على قطاع غزة، 2008-2009، للضغط على المقاومة، غير أنه فشل في تحقيق هدفه المتعلق باستعادة "شاليط"، واتسع إصرار المقاومة على أن الأخير لن يرَ النور إلا بصفقة تبادل مشرفة.
ومع انتهاء العدوان الإسرائيلي، أذعن الاحتلال لمطالب بعض الأطراف الدولية التي دخلت على خط الوساطة، بعد أن كان يرفض إجراء مفاوضات غير مباشرة مع حركة حماس ويميل إلى الخيار العسكري، وقد سجلت هذه الأطراف نجاحا في بداية مشوارها في ما بات يعرف بصفقة "شريط شاليط"، الذي أظهر الجندي الأسير "شاليط" يجلس على كرسي ويحمل في يديه عددا من صحيفة "فلسطين"، ليفرج الاحتلال بمقتضاه عن 20 أسيرة فلسطينية.
وفي ظل عملية التوسط لإبرام صفقة تبادل، نجحت القاهرة، في إبرام اتفاق صفقة تبادل طالبت فيه المقاومة بالإفراج عن 1027 أسيرا من سجون الاحتلال، مقابل تسليم الجندي شاليط" للوسيط المصري تمهيدًا لإعادته إلى الاحتلال.
وبالفعل ومع الموافقة الإسرائيلية، وإطلاق الصافرة الأخيرة لموعد التنفيذ، وجهت كتائب القسام عشرات من السيارات رباعية الدفع متطابقة الشكل إلى معبر رفح، وكان "شاليط" في إحداها، ودخل في تمام الساعة 10:05 صباحًا إلى الجانب المصري من معبر رفح وقائد القسام أحمد الجعبري يقبض على يده وإلى جانبه مجموعة كبيرة من مقاتلي الكتائب.
وبينما اطمأن الاحتلال الإسرائيلي على "شاليط"، أفرج عن نصف قائمة الأسرى المطلوب تحررهم ثم تحفظ الجانب المصري على "شاليط" ليتم الإفراج عن النصف الثاني من المرحلة الأولى من الصفقة، ودخل الأسرى الفلسطينيون المحررون إلى معبر رفح يستقلون عددًا من الحافلات ملوحين بعلامات النصر.
وبلغت نسبة المفرج عنهم من أصحاب المؤبدات (70%)، ومن المفرج عنهم أيضا قيادات في حركة حماس أمثال المحررين يحيى السنوار وروحي مشتهى وحسام بدران وزاهر جبارين وغيرهم، فيما أبعدت سلطات الاحتلال (203) محررين إلى قطاع غزة وتركيا وسوريا وقطر. ونص الاتفاق على عودتهم إلى قطاع غزة بعد سنة من الإفراج عنهم ضمن بنود اتفاق الصفقة لكن هذا الأمر لم ينفذ حتى اللحظة.
كما أفرجت المقاومة في هذه الصفقة عن عميد الأسرى الفلسطينيين نائل البرغوثي من رام الله بعد 33 سنة في السجن لكن الاحتلال نقض عهده وأعاد اعتقاله مجددا، كذلك أفرج عن الأسير أكرم منصور بعد 32 سنة من السجن، والأسيرين إبراهيم جابر وعثمان مصلح بعد 29 سنة سجنا، وفخري البرغوثي بعد 33 سنة، وفؤاد الرازم بعد 30 سنة من الاعتقال.
ويقول الخبير في الشأن العسكري اللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي، إن صفقة "وفاء الأحرار" شكلت نكسة سياسية للاحتلال، في حين أظهرت قوة المقاومة الفلسطينية وقدراتها الأمنية الكبيرة التي برزت خلال تسليم الجندي "شاليط" للجانب المصري والتمويه في عملية نقله من قطاع غزة إلى مصر.
ويؤكد الشرقاوي لـ"فلسطين"، أن الصفقة فعليا شكلت درسا حقيقيا في السياسة والمقاومة، وأظهرت الاحتلال عاجزا أمنيًا واستخباراتيًا وعسكريًا، عن التعرف على مكان "شاليط" طيلة خمس سنوات من أسره.
ويلفت إلى أن عملية التبادل وبما حققته من إنجاز، المتمثل في عدد الأسرى الذين أفرج عنهم، رفعت الصفقة الروح المعنوية للأسرى في سجون الاحتلال، وزادت من خطوات عمل المقاومة لتكرار التجربة، مؤمنة بأن هذه الطريق هي الخيار الأول والأخير لأن ينعم الأسرى بالحرية والتحرر من قيد السجان.
واليوم تحتفظ المقاومة بكنز ثمين يتمثل بأسر عدد من جنود الاحتلال خلال عدوان 2014م على قطاع غزة، لتشكل بارقة أمل متجددة لآلاف الأسرى في سجون الاحتلال وعائلاتهم.