مجزرة يوم الجمعة الفائت شرقي قطاع غزة التي ارتكبتها قوات الاحتلال راح ضحيتها سبعة شهداء وأكثر من ٢٥٠ جريحًا برصاص الاحتلال المتعمد تجاه المتظاهرين المدنيين كما أصاب العشرات بنيرانه وغازاته في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، تدلّ على أن الاحتلال يمارس سياسة التطهير العرقي والقتل المتعمد للشعب الفلسطيني.
يعتقد الاحتلال واهمًا أن هذا التصعيد عبر استخدام جبروت القوة ونيران قناصته الموجهة إلى صدور المدنيين بإمكانه أن يكسر إرادة الشعب الفلسطيني الذي يتطلع إلى الحرية والاستقلال، كما يعتقد واهمًا أن أهلنا في قطاع غزة يمكن أن يقبلوا باستمرار هذا الحصار الظالم، أو يظنّ أن أهلنا في الضفة الغربية يمكن أن يقبلوا بإجراءاته التعسفية في مختلف أنحاء الأراضي المحتلة، من استيطان ومصادرات للأراضي وحواجز عسكرية، وتهويد للقدس ومساس بالأقصى والأماكن المقدسة وحملات مداهمة واعتقال يومية، إلخ من ممارسات هذا الاحتلال الذي يثبت يوميًّا أنه ضرب ويضرب عرض الحائط كل المواثيق والقوانين الدولية، مستخفًّا بحياة المدنيين الفلسطينيين، ومعتقدًا أنه فوق القانون الدولي وأن لا أحد يستطيع محاسبته أو معاقبته على هذا العدوان الصارخ الشامل على الشعب الفلسطيني وحقوقه، فهو واهم.
السؤال الغريب العجيب أن المجتمع الدولي بكل منظماته وهيئاته يقف متفرجًا أمام هذا الإجرام وسفك دماء شعبنا الفلسطيني دون أن يحرك ساكنًا أو يخرج عن صمته ويقول كلمة حق في وجه هذا الاحتلال وحليفته الولايات المتحدة التي تقدم له الدعم المطلق، ولو أن دولة أخرى غير دولة الاحتلال الإسرائيلي أقدمت على ارتكاب مثل هذه المجازر والفظائع لأقامت الإدارة الأميركية الدنيا ولم تقعدها، متشدقة بحقوق الإنسان ومبادئ الحرية. وهنا نسأل هذه الإدارة الأميركية التي أعلنت ذات مرة أن من حق الفلسطينيين الاحتجاج، ما هو موقفها إزاء استمرار قتل المدنيين الفلسطينيين بدم بارد وبينهم أطفال ونساء ومسعفون وصحفيون وحتى مقعدون، لا لشيء سوى أنهم يحتجون على استمرار هذا الاحتلال غير الشرعي، ويطالبون بحقهم في الحياة والحرية والاستقلال.
فبما أنَّ الاحتلال لم يجد من يوقفه عند حدّه فهو ماضٍ في طريقه بارتكاب المجازر ضد الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع العالم المتواطئ معه والراكع للإدارة الأمريكية، تحت ذرائع ومبررات واهية كتهديد أمن (إسرائيل) وما يسمى سيادتها، في الوقت الذي قتلت وجرحت مسعفين لم يهددوا أحدًا وقتلت أطفالًا لم يهددوا جنودها المدججين بالسلاح، نتساءل: كيف لهذه العواصم العربية والإسلامية أن تواصل الصمت إزاء ما يتعرض له الشعب الفلسطيني الأعزل؟ وأين هي النخوة العربية والشهامة العربية؟ وأين هي روح التضامن الإسلامي؟ وكيف يمكن السكوت عن استمرار هذا الوضع؟
كما نسأل أوروبا، التي تعلن تأييدها لحق شعبنا في الحرية والاستقلال ولكنها لم تتخذ أي إجراء فعلي بحق هذا الاحتلال وانتهاكاته الجسيمة لإعلانات حقوق الإنسان وللمواثيق الدولية، نسألها: لماذا تواصل الصمت؟ وكيف تريدنا أن نقتنع أنها تؤيد إنهاء هذا الاحتلال وهي تقيم أقوى العلاقات معه، رغم كل عدوانه في حين تهدد دولا أخرى بالعقوبات وغيرها من الإجراءات تحت نفس الشعار الخاص بحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية.
حان الوقت كي يتخلى الغرب عن هذا النفاق، وأن تثبت أوروبا مصداقيتها إذا كانت فعلا معنية بالأمن والاستقرار، وإذا كانت فعلا تعارض ما يرتكبه هذا الاحتلال.
إن أي دولة متحضرة في العالم ما كان لها أن تقدم على مواجهة متظاهرين مدنيين بهذه الوحشية، وقد شاهدنا في كثير من الدول المتحضرة كيف تواجه حكوماتها وأجهزتها تظاهرات الاحتجاج، علمًا أن الشعب الفلسطيني سواء المحاصر في غزة أو الواقع تحت إجراءات وقيود وتعسف الاحتلال في الضفة، يمارس حقه الطبيعي في الاحتجاج على استمرار هذا الاحتلال البشع وعلى مصادرة حقه الطبيعي في العيش بحرية وكرامة على أرض وطنه وفي دولة مستقلة ذات سيادة كباقي شعوب الأرض.
سؤالي الأخير أوجهه لقيادات شعبنا، وأقول لهم: ألم يحن الوقت لتدرك كل القيادات أن هذا الانقسام لا يخدم سوى هذا الاحتلال وأن أكبر خطيئة ترتكب بحق الشعب الفلسطيني وقضيته هي استمرار هذا الانقسام؟ من المعيب علينا أن نكون منقسمين سياسيا وجغرافيا والاحتلال لا يفرق بين هذا وذاك لأنه يعدّ كل الفلسطينيين هدفا له، بل العيب كل العيب ألّا نكون يدًا واحدة نساند بها شعبنا الذي يضحي بالغالي والنفيس، لقد حان الوقت لاستعادة الوحدة والانطلاق نحو مواجهة هذه التحديات الخطيرة التي يفرضها الاحتلال وحليفته أميركا.