فلسطين أون لاين

​حناجر مجروحة

...
صورة أرشيفية لوالدة الشهيد قصي العمور وهي تبكي فراقه (أ ف ب)
بقلم / إكرام السعايدة

يؤلمني أن الحياة في زاوية ما في هذا العالم تذبل، في حين تستمر في الجانب الآخر منه.

أن تستطيع أن تضع يدك على رأس طفلك وتحتضنه وتعيذه من كل شر، وهناك الكثير من الأمهات الثكالى في هذا العالم اللواتي يوارين التراب على أبنائهن، بسبب الحقد الذي اغتال هذا العالم المجنون.

كلنا نعلم حقيقة هذا الشعور الذي وضعه الله في طبيعة وقلب كل أنثى، فتجدها تستيقظ في كل ليلة فزعة خوفًا على صغيرها من أن يصيبه مكروهٌ ما، أو أن تغفل عنه.

إن كان هو بخير وأمام عينيها يظل قلبها قلقًا عليه؛ فماذا عن كل اللواتي فقدن أبناءهن أو لا يعرفن مصيرهم؟!، بودي أن أحتضن كل أمهات العالم وكل ذوات الفقد لأواسيهن، مع أن ذلك لا يعزي قلوبهن، فيلهث قلبي سائلًا: "اللهم بردًا وسلامًا على أفئدة الأمهات، اللهم لطفك بهن".

وماذا عن الدهشة في عيونهن، وشلالِ الأسئلة الذي ينهمر منها؟!، وماذا عن الصدمةِ الأولى، والفاجعة التي داهمتهن دونما استئذان؟!

ماذا عن الموت الذي أفلت يديهِ في اللحظة الأخيرة، وتركهن يرتجفن في غاباتِ حول العالم مثقلات بالانكسار والتعجب؟!

ماذا عن جمود الدمعِ في مقلهن؟!، ماذا عن صمتهن المُفجع، والعالم البائس؟!

أتساءل: كيف استطاعت الكاميرات وقلوب من يحملونها أن تلتقط صورًا كهذه دون أن تذوب؟!

كيف ينام كُل هؤلاء الذين اتفقوا أن يلعبوا لعبة الموتِ الخبيثة على حساب هذه الوجوه؟!، كيف يهنئون بشربةِ ماء؟!

في كُل يوم يُحاول عقلي المتواضع تحليل معادلة هذه الحياة من حوله، أنا منذ يومي سيئة بعض الشيء في مادة الرياضيات، وطالما حكمتُ عقلي قبلَ قلبي، ولكني أعجز في كل مرة أن أعقد اتفاقية إدراك واحدة معه كي يتصالح مع هذا الواقع، علّه يفهم، وإن قليلًا، وأفشل.

في كل يوم يشتهي قلبي أن يستيقظ مُحملًا بالأكاذيب، أنّ كُل شيء على ما يُرام، وأنّ المشاهد التي تملؤه ما هي إلا حلم مُزعج، عابر،وأنّ الحناجر المجروحة ما هي إلا نداءات من عالمٍ آخر، وأنّ وجوه الأطفال البائسة والمشوهة ما هي إلاا كوابيس مُرهقة، ولون الدم ما هو إلا زنابق تائهة ضلّت طريقها إلى مناماتي ذات سُبات.

يصفعني صوت المذياع في موجة صباحية تضامنية، وموسيقا حزينة تتخللُها بُكائيات تكاد تقلع قلب الواحد منّا عند سماعها، وقد لا ينتبه إليها بعضٌ حين يُمارسون يومهم بعاديّة مُفرطة، كأنّ شيئًا لم يحدث في هذا العالم من حولهم، الأمر الذي يُوجعني أكثر أنّهم يُلحقونَ كل ذلك بأغنيّة غرامية لا يكاد يستطيع الواحد فهمها، وإعلانات ربحية (...) وضجيج يعجز الواحد عن التعبير أمامه.

تنهيدة طويلة، ثُمّ ماذا ننتظر من هذا العالم الرديء جدًّا، في الوقت الذي تنشر فيه محطة محليّة أو إقليميّة خبرًا عاجلًا، وتعرض في الوقت نفسه عروضًا فارغة لا تملأ قلوب الناس إلا ضلالةً وفراغًا أكثر؟!