يشكو مرضى مصابون بأمراض مزمنة نقصًا كبيرًا في الأدوية بالمستشفيات والعيادات الحكومية بغزة، مع عدم توريد وزارة الصحة في رام الله أدوية لهذه الأمراض تكفي عدد المصابين بها في القطاع، الذي يقدر عدد سكانه بمليوني نسمة.
وبين مصابون بأمراض مزمنة أنهم يتوجهون بانتظام إلى عيادات الرعاية الأولية المنتشرة في قطاع غزة، طلبًا للدواء، لكنهم في المقابل لا يحصلون عليه لعدم توافره في مخازن وزارة الصحة.
وعلمت صحيفة "فلسطين" من مصدر في وزارة الصحة بغزة أن الوزارة في رام الله لم ترسل أدوية خاصة بالأمراض المزمنة منذ بداية العام الجاري.
وذكر محمد زهد، من سكان حي الشيخ رضوان، شمالي مدينة غزة، أنه يداوم في العيادات الخاصة منذ سنوات طويلة، للحصول على دواء لنجله البكر حسن (22 عامًا)، الذي يعاني نوبات صرع وتشنجات.
وأصيب حسن بحمى شوكية حين كان طفلًا، وتحديدًا في 2000م، ومنذ ذلك الحين والده يجلب له الدواء، كما قال الأب لصحيفة "فلسطين".
لكنه أضاف: "إن الحصول على الأدوية بات صعبًا مع العجز في كمية الأدوية لدى وزارة الصحة بغزة".
وتابع: "آتي كل أسبوع عيادة الشيخ رضوان، ونادرًا ما أجد الدواء في صيدلية العيادة".
وأكمل زهد وبدا مهمومًا: "أضطر إلى اشتراء الدواء لابني حسن، بتكلفة شهرية تزيد على 500 شيكل".
وكان زهد موظفًا لدى السلطة الفلسطينية قبل أن يحال إلى التقاعد، ويصبح إجمالي قيمة راتبه 1400 شيكل، يخصص منها جزءًا لدواء نجله وما يلزمه من احتياجات أخرى.
وذكر زهد الأب لثماني بنات وثلاثة أولاد أنه لم يتوقع يومًا أن يعاني نجله المصاب بأمراض مزمنة نقصًا في الأدوية.
ويقول أطباء: "إن العجز في دواء أصحاب الأمراض المزمنة يفاقم وضعهم الصحي سوءًا".
أكد زهد ذلك، قائلًا: "عدم حصول حسن على الدواء سيجعله حبيس سرير العلاج في مستشفى الشفاء، أكبر المستشفيات في قطاع غزة".
ويقول مسؤولون في وزارة الصحة بغزة: "إن العجز في الأدوية ناتج عن سلسلة إجراءات عقابية أقرتها رئاسة السلطة في رام الله، وطالت الأدوية والتحويلات الطبية".
وكانت الإجراءات العقابية ذاتها شملت أيضًا تقليصات في رواتب موظفي السلطة بالقطاع، وإحالة الآلاف منهم إلى التقاعد الإجباري، وكان لقرارات السلطة هذه عواقب خطيرة على الأوضاع الإنسانية في غزة، كما يقول مراقبون.
وبينت صبحية داود أنها تعاني الأمراض المزمنة منذ 30 عامًا، لكنها لم تواجه صعوبة في الحصول على الأدوية، مثلما تعاني الآن.
وأضافت داود التي التقتها صحيفة "فلسطين" في عيادة الرمال بمدينة غزة: "أعاني أمراض الضغط، والسكر، والغدة، وآلامًا في الساقين، وتشنجات فيهما".
وتابعت: "إن أبنائي يشترون لي الأدوية من الصيدليات بمبالغ كبيرة شهريًّا، لعدم توافرها في مخازن الصحة".
معاناة
من جهته قال مدير إدارة الصيدلة في الإدارة العامة للرعاية الصحية الأولية بوزارة الصحة كفاح طومان: "إننا نعاني أزمة شديدة جدًّا في أدوية المرضى المصابين بأمراض مزمنة، وهي لم تمر علينا بهذه الشدة منذ سنوات".
وأضاف طومان لصحيفة "فلسطين": "كنا نواجه نقصًا في صنف معين بنسب متفاوتة، فينقطع صنف ويتوافر آخر، لكن في الأشهر الأربعة الأخيرة بدأ التناقص سريعًا حتى وصلت نسبة العجز إلى أشدها وأعلى نسبة".
وبين أن 70% من الأدوية التي تخص مراكز الرعاية الأولية تراجع رصيدها إلى صفر.
وقال: "إن هذه الأدوية تمثل 100 صنف من أصل 143 صنفًا للأمراض المزمنة والأكثر انتشارًا، مثل: السكر النوع الأول، والسكر النوع الثاني، والضغط، والتشنجات، وغيرها".
تابع طومان: "نقص هذه الأدوية يؤثر كثيرًا في صحة المجتمع، حيث الرعاية الأولية منوط بها متابعة هذه الحالات التي تعتمد أساسًا على الأدوية، وعدم حصولها على الأدوية المناسبة يفاقم وضعها الصحي سوءًا، لا تحسن بعده، مثل أدوية الضغط التي عندما لا يحصل عليها المريض بانتظام عليها تتذبذب لديه نسبة الضغط، فتؤثر على حياته تأثيرًا سلبيًّا كبيرًا".
ونبَّه إلى أن أدوية هؤلاء المرضى "مقدمة على مزيد من العجز، وهناك 16 صنفًا خلال الشهرين الحالي والمقبل ستنفد، وستزيد نسبة العجز، وقد تصل إلى 80%".
وأشار إلى أن نسبة انتشار الأمراض المزمنة في غزة قريبة من النسب العالمية الطبيعية، ويوجد في القطاع -على الأقل- 20 ألف مريض مصابين بالسكر النوع الأول أو الثاني، أو السكر والضغط في وقت واحد.
وشدد على أن مشكلة نقص الأدوية تحتاج إلى حل عاجل، عادًّا الرعاية الصحية الأولية خط الدفاع الأول عن صحة أي مجتمع، وعدم انتظام أدوية بهذه الحساسية يقوض النظام الصحي، ويزيد من نسبة المرضى، ومعدل مراجعتهم للمستشفيات، ما يزيد التكلفة على وزارة الصحة.