فلسطين أون لاين

​حبلٌ وخوذة.. هل يضمنا سلامة مَنْ ينظفون واجهات المباني؟

...
صورة أرشيفية لتنظيف واجهات المباني بغزة
غزة - فاطمة أبو حية

تبدو بعض البنايات لافتة للنظر ببريق الزجاج الذي يغطيها، ولكن خلف هذا البريق يقف عمالٌ يخاطرون بحياتهم من أجل توفير لقمة عيش كريمة لأبنائهم، فيتعلقون بالحبال ليمارسوا مهمة تنظيف واجهات المباني، فكيف يؤدي هؤلاء عملهم؟ وما الذي يضمن سلامتهم؟

مواصفات خاصة

نزار شعشاعة، مدير شركة للتنظيف، ويعمل أحيانا في تنظيف واجهات المباني بنفسه، يقول: إن تنظيف الواجهات يتم بإحدى طريقتين، هما استخدام رافعة "المنوف"، أو التعلق بالحبال، مضيفاً: "المنوف يكون للمباني التي يصل ارتفاعها إلى 7 أو 8 طوابق، وإن كان المبنى أعلى من ذلك يتم اللجوء إلى الطريقة الثانية".

ويتابع في حديثه لـ"فلسطين": "في كلتا الطريقتين توجد إجراءات سلامة متبعة لضمان عدم تضرر العامل، فعند الصعود بالمنوف، يتم ربط العامل ومساعده بسلة المنوف بواسطة الحبال، مع ارتداء الخوذة، مع المراقبة المتواصلة من العامل المسؤول عن تحريك المنوف لضمان تحريكها بطريقة صحيحة".

ويواصل شعشاعة: "أما طريقة النزول بالحبال من أعلى البناية ففيها يتم ربط طرف الحبل بشيء قوي كعمود في المبنى، ويُربط الطرف الآخر في خصر العامل، مع وضع ثقل على الحبل بعد ربطه في المبنى، وكذلك الحال بالنسبة لسلم الحبال الذي يستخدمه العمال للتحرك عليه، ويرتدي هذا العامل خوذة لحماية رأسه، وحذاء يمنع انزلاق القدم على الزجاج، ويحمل حبلا احتياطيا، إلى جانب استخدام مثلث التحذير للمارين في منطقة العمل، لوجود خطر سقوط أي من أدوات التنظيف عليهم، والتي يكون بعضها حادا وثقيلاً".

ويلفت إلى أن اختيار الشخص الذي يعمل في تنظيف الواجهات لا يكون عشوائياً، بل لا بد من توفر بعض الصفات الأساسية فيه، ومنها أن يكون شاباً، وصاحب خبرة في مجال التنظيف، لا يخشى الأماكن العالية، ويتميز بقوة التحمل، بالإضافة إلى تمتعه بصحة سليمة خالية من الأمراض، مشيراً إلى أن العامل الذي يستخدم الحبال وليس المنوف فقط يكون اختياره أصعب.

وبحسب شعشاعة، فإن أخطر ما يمكن أن يتعرض له العامل هو السقوط من علو، وهذا الخطر يزيد في قطاع غزة بسبب احتمال حدوث قصف في أي لحظة، مما يمكن أن يربك العامل أو يحركه كرد فعل للانفجار، وبالتالي تصبح فرصة سقوطه أعلى.

ويوضح أن المؤسسات التي تتعاقد مع شركته لتنظيف مبانيها تشترط على الشركة تحمل كامل المسؤولية عن العامل وكذلك المبنى، فإن أُصيب العامل أو تضررت واجهة البناية، تكون شركة التنظيف هي المسؤولة، منوها إلى أن شركات التنظيف تؤمّن على عمّالها وتتحمل أي إصابات عمل يتعرضون لها.

ويبين أن تكلفة تنظيف واجهات المباني مرتفعة نسبياً بسبب ارتفاع قيمة الأدوات المستخدمة في هذه العملية، لافتاً إلى أن رواتب العمال في هذا المجال يجب أن تكون متناسبة مع حجم الخطر المحدق بهم، ولكن ظروف القطاع تحول دون ذلك.

ويتحدث شعشاعة عن جرأة الأشخاص الذين يقبلون العمل في هذه المهنة: "من العمال من يمتلكون جرأة تثير الدهشة، فمنهم من يرفض استخدام أدوات السلامة".

بحثًا عن الرزق

من جانبه، يقول محمد الجمل الذي يدير شركة للتنظيف ويعمل موظفًا في قسم الحوادث والتعويضات في التأمين: "معظم العاملين في تنظيف الواجهات يتبعون لشركات تنظيف، ولكن عددٌ قليل منهم يعمل ضمن المؤسسات التي يتم تنظيف واجهات مبانيها أو بشكلٍ فردي، وهؤلاء يدفعون بأنفسهم إلى هذا الخطر بحثاً عن لقمة العيش".

ويضيف: "ربط العامل بالحبال ليس كافياً لتأمينه، فقد يُقطع الحبل، ولذا فإن "المنوف" أقل خطورة، ولكنه ليس آمنا تماماً، والبعض يستخدم (البقوم) إلى جانب الحبال والمنوف".

ويوضح الجمل أن المؤسسات يجب أن تؤمن على عمالها الذين يمارسون هذا العمل الخطير، أما الرواتب تكون حسب سياسة الشركة، فقد يتم إضافة زيادة على راتب هؤلاء العمال مقابل نسبة الخطورة، وقد تكون مقتصرة على الراتب المتفق عليه مهما كان حجم الخطر.

وفي حال إصابة أحد العمال أثناء تنظيف واجهات المباني، فيبين أنه لا بد من تحديد طبيعة الإصابة من خلال كشف طبي حكومي تابع لوزارة العمل، وإن كانت نتيجته تشير إلى عجز العامل عن مواصلة عمله تماما، فيتم تعويضه كما لو كان سيعمل في ذات المهنة حتى يبلغ الستين، وهناك معادلات حسابية خاصة لحساب قيمة التعويض.

ويلفت الجمل إلى أن عدم توقيع عقد بين العامل والشركة التي يعمل فيها لا يعني ضياع حقوقه في حال تعرض لإصابة عمل، فبإمكانه أن يثبت عمله فيها لوزارة العمل من خلال شاهدين اثنين، ومع ذلك فبعض الإصابات يلجأ أصحابها إلى المحاكم لنيل حقوقهم بسبب إنكار المؤسسات لعملهم فيها، وغالباً يكون الإنكار بسبب عدم التأمين على العامل المصاب، مما يعني أن صاحب الشركة سيتحمل تكلفة علاجه بشكل شخصي.

لا بديل

محمد السك يعمل في تنظيف الواجهات باستخدام المنوف والأحبال منذ 5 سنوات، يقول لـ"فلسطين": "هذا العمل خطير جداً، ووسائل أمان المتوفرة جيدة، ولكنها لا تكفي، ولا بد من توفير المزيد من الاحتياطات إلا أن ظروف القطاع لا تسمح بذلك".

ويضيف: "عند التعلق على واجهات الطوابق العليا يبقى الخوف قائماً مهما توفرت احتياطات السلامة، وأكثر ما يخشاه العامل أن يسقط بطريقة تسبب له إعاقة طوال حياته، ولكن لا بديل أمامنا للعيش".

ويبين السك: "من يعمل في هذا المجال لا بد أن يكون قوي القلب، جريئا، وعليه أن يتروى في أداء مهمته، وأن يعرف كيف يتحرك وأين يضع قدمه؟، وأن يستخدم كل إجراءات السلامة المتوفرة لأنها مسألة حياة أو موت".