قائمة الموقع

​"قنبلة الغاز" تحقّق نبوءة الفتى "أبو حبل"

2018-10-06T08:20:35+03:00
صورة أرشيفية

هناك لحظات فراق تخطف القلب، لا أحد منا يتمنى أن يفارقه شقيقه، ابنه، أو أي فرد من العائلة في "غمض البصر"، لكن الرصاصة وقنبلة غاز الاحتلال الإسرائيلي لا تنتظر الإذن من أحد، وكأنها شرعت لقتل الأطفال المحاصرين في غزة، الذين حرموا من نعيم الحياة، التي بحث عنها الفتى أحمد أبو حبل (15 عاما) في أزقة وشوارع منطقة بيت لاهيا شمال القطاع، فكانت له العالم الذي طافه وجاله حتى بكته كل زاوية في هذا المربع.

لم تعلم خالة أحمد .. أم نائل أبو ريا (59 عامًا)؛ أنها ستكون آخر من يشاهد صورته الأخيرة من عائلته، الأربعاء الثالث من أكتوبر/ تشرين أول 2018م، سيبقى يفترش ذاكرة "أم نائل" طوال حياتها.

على أحرّ من الجمر كان ينتظر الفتى مرور الوقت لأن خالته ستزورهم في هذا اليوم؛ عصر الأربعاء بدأت فعاليات مسيرات العودة قبالة معبر بيت حانون/ إيرز؛ لا أحد يعلم سر تعلق أحمد بتلك المسيرات، لكنهم كانوا يرون قلب هذا الفتى يشتعل غضبًا في كل مرة تقتل رصاصة الاحتلال الإسرائيلي طفلاً أو شابًا أو فتاة فلسطينية، لم تهن عليه تلك الطفولة التي تزهق، وتلك الحياة التي يحرم حتى الإنسان عيشها .. لكنه لم يعلم أنه تحت "منظار" بنادق الاحتلال.

ركب أحمد وخالته الحافلة ذاتها وذهبا معًا للمشاركة بالمسيرة؛ "أنا يا خالة إن شاء الله بروح بالباص وبروّح بالإسعاف" اهتز قلب "أم نائل" مما قاله لها ابن شقيقتها؛ فأوصته لخوفها عليه "دير بالك على حالك .. هدول الجنود برحموش حدا".

وصلت الحافلة وكأن الحياة عادت لقلب أحمد، هنا اندهشت خالته "شعرت أن هذا المكان عالمه"، انطلق مسرعًا، يبتسم، يضحك، يلحق بالشبان وتفرقا، لا يملك سوى شارة النصر ليرفعها أمام جندي الاحتلال الإسرائيلي المختبئ في ثكنته العسكرية، وسرعان ما بدأت الأحداث وجنود الاحتلال يطلقون قنابل الغاز على المتظاهرين، ويطلقون الرصاص.

أحمد يصطف بجانب الشبان، ويشاهد، ويراقب، ويلوح بشارة النصر، بدأ جنود الاحتلال بإطلاق قنابل غاز واحدة تلو الأخرى، حتى عم المكان سحب دخانية من شدة كثافتها، ارتطمت إحداها برأس أحمد من الجهة اليسرى، "اخترقت القنبلة جزءًا من رأس شقيقي؛ ودخل الغاز في جسمه، واستشهد بعد 3 دقائق من إصابته" والكلام لشقيقه صامد (25 عاما).

"هو مدلل أبوه وأمه" تنوب شقيقته كفاح (28 عاما).. "أحمد كان يدخل القلب دون استئذان من أحد، يحبه الجميع، لعفويته وشجاعته ومساعدته لهم؛ "أنت يما وقتيش حتروحي على المسيرات .. شوفي خالتي أم نائل أكبر منك وما بتخلي يوم إلا وبتروح فيه على المسيرات" .. ما زالت هذه الحوارات طيفًا يذكر كفاح بشقيقها، يعيدها إلى الخلف.

قبل أسبوعين، زارت كفاح بيت عائلتها وصادف اليوم "الاثنين"؛ طلب أحمد من شقيقته إيقاظه حينما يرفع آذان العصر، -لا تنسَ تلك اللحظة- حان وقت الأذان، ومرت عدة دقائق، نسيت كفاح ما أوصاها به شقيقها، "ليش ما صحتيني" فبدأ بتدارك الوقت، من عمق الجرح تعود لتلك اللحظة "ارتدى ثيابه على عجل وخرج مسرعًا لإدراك الحافلات التي تنقل المواطنين".

لم يترك أحمد نقطة تظاهر إلا وشارك فيها بمحافظة الشمال، منذ 30 مارس/ آذار 2018م، لم يترك جمعة تمر إلا وكان موجودًا شرق مخيم جباليا، وعند معبر بيت حانون، وفي نقطة "زيكيم"، انضم لصفوف وحدة "الإرباك الليلي"، لم يأبه لرصاص الاحتلال وقنابل الغاز، يتقدم بخطواته الصفوف الأولى، لا يعلم ما تخبئه له الأيام.

"كيف أنساه؟" .. أذاب الحزن قلب كفاح لكنها ما زالت تقلب ذكرياتها مع شقيقها "لم يكن أحمد أخًا عاديًّا، أحبه الجميع هنا، تعلقت به كثيرًا لأنه أصغر أشقائي، كان يحب ارتداء الثياب الجديدة والمحافظة على مظهره الخارجي، وها هو الاحتلال حرمنا منه كما حرم كثيرون".

كل شيء أحبّه هذا الفتى تحقق .. لم يكن يعشق من الأكل سوى "المجدرة" لحسن حظه طهتها له والدته يوم استشهاده، تعود كفاح بحديثها للوراء قبل أسبوع عندما سافرت شقيقتها الأخرى "هدى" عائدة إلى زوجها في الإمارات بعد زيارة عائلية لغزة، أصر أحمد على شقيقتها وكأنه حدس داخلي "مش عارفة تصبري هالأسبوع عشان تحضري عرسي" تربط كفاح كل التفاصيل بتداخلها وتتساءل: "ترى ما الذي جعل أحمد يستشعر استشهاده؟".

اخبار ذات صلة