فلسطين أون لاين

​ثرثرة في صبيحة يوم مشمس

...
صورة تعبيرية عن يوم مشمس
بقلم / د.زهرة خدرج

لطالما أطلقت زميلات سعاد عليها في السكن الجامعي لقب "عثة كتب" خلال الدراسة، كانت الزميلات بعد إنهاء الواجبات الدراسية يعمدن إلى اللعب، والترفيه، والنوم، أما هي فكانت تعتكف بين كتبها، تقرؤها بنهم، وكأنها أمام طاولة تعج بأصناف الطعام اللذيذة.

تقول لها أختها آلاء التي تصغرها: "أليست مشاهدة أفلام أو مسلسلات تحمل موضوع الكتاب ستفي بالغرض نفسه؟، فلماذا تتعبين عينيك في القراءة؟!".

وتجيبها في كل مرة تطرح السؤال نفسه بصيغ مختلفة: "لا شيء يعدل الغوص في كتاب يا حبيبتي، ولا يوجد متعة تشبه متعة القراءة".

تجلس والدتهما في شرفة البيت برفقة الجارة أم سالم كما في صبيحة معظم الأيام المشمسة تحتسيان القهوة، بينما تنظف أم محمود حبوب السمسم أو العدس أو غيرها، أو تحفر ثمار الكوسا، أو تزيل أوراق الزعتر الأخضر عن أغصانها ... إلخ، قالت أم سالم _وبدا أن موضوعًا يشغل بالها_: "أريد _يا أم محمود_ أن أتحدث إليك في موضوع".

-خير إن شاء الله؟

-ابنتك سعاد..

-ماذا بها؟

-أرغب بتزويجها لابني سالم.

-والله _يا أم سالم_ إن والدها لا ينوي الآن تزويجها، وأنت تعلمين أنها فتاة تحب العلم والدراسة كثيرًا، ووالدها يحلم بأن يراها طبيبة نسائية.

-وماذا سيستفيد من وراء تدريسها؟!؛ غدًا سيأتي ابن الحلال ويأخذها "ببلاش"، وستضع حينها كل ما تكسبه في كيسه.

-وهل يريد والدها منها شيئًا؟!، هو لا يريد لها إلا السعادة والوفاق.

-لا تنسي _يا أم محمود_ أن فرصة البنت في الزواج تضيع، إذا استمرت ترفض من يتقدم إلى خطبتها.

-كل شيء قسمة ونصيب، والزواج رزق، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ فَرَّ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَفِرُّ مِنَ المَوْتِ؛ لأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كما يُدْرِكُهُ المَوْتُ".

-صدق رسول الله، لكن _يا أم محمود_ أنا خائفة أن تضع البنت عينها على شاب من شباب الجامعة، وتشب عن طوقكم، وتجلب لكم الفضيحة.

-فال الله ولا فالك يا امرأة، أنا أعرف كيف ربيت ابنتي، وقد ربيتها على الدين والأخلاق، فكيف تقولين ذلك؟!

-أعرف يا أم محمود، أرجو ألا تغضبي مني، فقط كنت ألفت انتباهك إلى ما يحدث مع الفتيات في الجامعة، محذرة.

أما محمد الابن الأصغر لأم محمود فقد قال لصديقه منذر: "ما رأيك أن نذهب غدًا بعد انتهاء دوام المدرسة إلى الحاجز العسكري، نضرب اليهود بالحجارة؟".

-جيد جدًّا، بل رائع، ولكن أين نذهب بحقيبتينا حتى ننهي مهمتنا؟

-لا تقلق، سنخفيهما بين الأشجار القريبة من المدرسة، ونأخذهما بعد انتهائنا.

-رأي صائب.

أقبل سالم الأخ الأكبر لمنذر، ناداه قائلًا: "هيا عد إلى البيت بسرعة، فمنال تريدك أن تشتري لها بعض الأغراض".

-أف، ألا يوجد أحد في البيت سواي يستطيع الذهاب للتسوق؟!

-ما قصدك بالضبط؟، ألا تريد الذهاب؟!

-لا شيء أبدًا، من قال إنني لن أذهب؟!

-إذن، هيا بسرعة.

مال منذر على صديقه محمد وهمس في أذنه: "أترى؟، دائمًا هم هكذا، فقط يريدونني أن ألبي احتياجاتهم، أما احتياجاتي أنا فلا أحد يعبأ بها، أمي دائمًا عند الجيران، ومنال في المطبخ، وأبي في العمل، وسالم إما في العمل وإما مع أصدقائه أو غارق في عالم آخر برفقة الموبايل".

-كان الله في عونك، يا صديقي، سآتي معك لاشتراء ما تحتاج أسرتك.

عاد أبو محمود إلى البيت يبدو التعب على وجهه، فاستغربت أم محمود الوضع قائلة: "خير، إن شاء الله، ما الذي أعادك إلى البيت في هذه الساعة؟!".

-لا أدري، ولكني أشعر بأنه لا طاقة لدي للعمل، يبدو أن حرارتي مرتفعة.

بسم الله، سلامتك يا رجل.

نادت بأعلى صوتها: "سعاد، اتصلي بمحمود ليأخذ أباك إلى الطبيب".

-ليس هناك ضرورة للطبيب، يكفيني أن آخذ خافضًا للحرارة، وأنام قليلًا، وسأصبح على ما يرام.

-أبدًا، لن يكون ذلك، بل ستذهب؛ فأنا أريد الاطمئنان عليك.

- دائمًا القول قولكن، والحكم هو ما ترون أيتها النساء، أمري لله.

وأخذ يقول في نفسه: "أقسم أن الرجال جميع محكومون لنسائهم، يطالبون بحرية المرأة، والله نحن _الرجال_ من يحتاج لمن يقف معنا، ويطالب بحقوقنا وحريتنا".

- أين شردت عني يا رجل؟!

-أبدًا، أنا معك، وهل أستطيع أن أشرد إلى مكان آخر بعيدًا عنك، سوى القبر؟!