فلسطين أون لاين

​نتيجة لتضاعف انتهاكات الاحتلال

عائلات الصيادين: "نعيش ساعات الانتظار في رعب"

...
صورة أرشيفية للصيادين الفلسطينيين
غزة - عبد الرحمن الطهراوي

في الصباح الباكر يخرج الصياد محمود أبو حصيرة (38 عامًا) من داره الواقعة في مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة، متوجهًا إلى البحر ليبدأ رحلة جديدة من صيد الأسماك داخل النطاق البحري المسموح به من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

ولا يعرف أبو حصيرة موعد عودته إلى عائلته، وإن حدد بنفسه ساعة الانطلاق، فذلك مرتبط بظروف العمل التي تكون خارج سيطرته غالبًا، كاحتمالية إطلاق الرصاص الحي عليه أو مصادرة قاربه أو تمزيق شباك الصيد، وكل تلك الاحتمالات تجعل القلق رفيق أبو حصيرة طوال رحلته.

حالة الخوف المقرونة بالقلق التي تصيب "أبا نبيل" تنتقل بدورها إلى أفراد عائلته الخمسة، الذين ينتظرون بترقب شديد لحظة عودته إلى المنزل سالمًا من بطش جنود البحرية الإسرائيلية، في ظل ارتفاع وتيرة اعتداءات الاحتلال على الصيادين الغزيين في الآونة الأخيرة.

وتهاجم قوات الاحتلال الصيادين بصورةٍ شبه يومية على طول ساحل قطاع غزة المحاصر إسرائيليًّا منذ قرابة العقد، بفتح نيران الرشاشات تجاه رواد البحر دون سابق إنذار، أو اعتقالهم واحتجاز مراكبهم، فضلًا عن تدمير معدات الصيد.

ويتحدث أبو حصيرة عن لحظات خروجه من المنزل ثم عودته إليه لاحقًا، قائلًا: "أشعر كأني ذاهب إلى عملية فدائية، فزوجتي توصيني بعدم الدخول كثيرًا في البحر، أما أصغر أولادي فيؤكد ضرورة هروبي وخروجي من الماء فور سماع صوت الرصاص، وإن لم أكن المقصود".

"أكثر ما يُفزع العائلة سماعها أصوات إطلاق النار في عرض البحر في أثناء خروجي إلى العمل، أو تداول وسائل الإعلام خبر اعتقال صيادين والتعرض لهم في ساعات الصباح الباكر" يضيف الصياد الثلاثيني الذي ورث أسرار التقاط أرزاق البحر عن والده قبل نحو عقدين من الآن.

أما الابن الأكبر للصياد الثلاثيني "نبيل" فيؤكد بدوره أن عائلته تعيش ساعاتٍ طويلة مليئة بالحذر والخوف خلال غياب والده عن المنزل ووجوده في البحر، قائلًا: "كنا نأمل أن تتحسن أوضاعنا المعيشية والنفسية بعد زيادة الاحتلال نطاق الصيد، لكن حجم الاعتداءات تضاعف دون رادع حقيقي".

وخلال المدة الماضية أعلن الاحتلال مرارًا سماحه للصيادين بالعمل حتى مسافة تسعة أميال بحرية قبل أن يتراجع عن ذلك ويحدد النطاق المسموح به بستة أميال فقط، مع أن اتفاق التهدئة الأخيرة، صيف عام 2014م أكد حرية عمل الصيادين.

صبيحة 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016م لم تكن تشبه باقي أيام عائلة صلاح، فقد حمل لها ذلك الصباح خبر إصابة رب الأسرة (أبي أحمد) برصاصة مباشرة في منطقة الكتف في أثناء ممارسته الصيد قبالة سواحل مدينة غزة.

ساعات رعب

الزوجة أم أحمد تتحدث عن ظروف عمل زوجها ووضع العائلة في خضم تضاعف اعتداءات الاحتلال قائلة: "عرضنا على زوجي في السنوات الماضية ترك البحر والبحث عن مصدر رزق آخر، ولكنه رفض ذلك من أجل توفير لقمة عيش للعائلة، مع حدوث انتهاكات إسرائيلية متعددة بحقه، كان آخرها العام الماضي".

وتبين أن العائلة تعيش ساعات رعب في أثناء غياب الزوج عن المنزل ونزوله إلى البحر؛ فهي تعلم أنه في أي لحظةٍ عرضة للإصابة أو الاعتقال حتى القتل المباشر، مثلما حدث مع الكثير من الصيادين الذين قضوا شهداء في عرض البحر، مضيفةً: "كل رحلةٍ تكلفنا جميعًا الكثير من الجهد والخوف".

وتلفت أم أحمد إلى أن زوجها قد يقضي في بعض الأحيان عشر ساعات في البحر ثم يعود برزق ضئيل، أو بخفي حنين أحيانًا، وذلك بسبب المضايقات الإسرائيلية، وندرة وجود السمك في المنطقة المسموح للصيادين بالعمل فيها، مشيرةً إلى أن الشقيق الأكبر لزوجها هجر البحر أخيرًا نتيجة للأسباب السابقة.

وتقلصت أعداد الصيادين تدريجًا منذ عام 2000م من نحو عشرة آلاف صياد إلى قرابة أربعة آلاف، يعيلون أكثر من 50 ألف نسمة، ويعملون على نحو ألف قارب صيد مختلفة الأحجام والأنواع، وتؤكد تقارير عدة ارتفاع نسبة الفقر في صفوف الصيادين منذ فرض الاحتلال حصاره على القطاع.