منذ البداية أيقن أن الريشة بوسعها أن تكون سلاحًا يشهره في وجه الاحتلال، فهي أقوى من الرصاصة والمدفع، هكذا يراها، بعلب رش الألوان يرسم لوحاتٍ وجدارياتٍ تحاكي صمت العالم عما يحدث في بقاع تنتهكها جرائم تدق أجراسها ضد الإنسانية، لتجسد ريشته المعاناة والويلات التي يعيش فيها الشعب الفلسطيني، وتستصرخ المتآمرين مع المحتل الإسرائيلي؛ فرسم الجرح الفلسطيني بكل صنوفه كالشهيد والجريح، والأسير، والأم المكلومة التي فقدت ابنها، إنه الفنان الفلسطيني سامي الديك يُحيي برسمه ثورةً انطفأت نارها برسمه الرموز الوطنية كعمر المختار، وياسر عرفات وغيرهما.
الشاب الديك البالغ من العمر (29 عامًا) من قرية كفر الديك المحتلة الواقعة شمال الضفة الغربية اتخذ الرسم والنحت على الجدران موهبةً من أجل إيصال رسالته إلى أذهان الناس بصورة مباشرة باستخدامه صوت الجدران، ليعبر عنها بالفن الغرافيتي، لتتحدث الجدران عما يدور من أوضاع وأحداث في الأراضي الفلسطينية، وما يحدث للفلسطينيين يوميًّا من تنكيل واضطهاد وظلم من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
مناطق حيوية
لم تظهر موهبته بغتةً بل اكتشفها منذ الصغر خلال محاولاته الدائمة للرسم على الجدران، وبدأت هذه البذرة تنمو وتكبر معه لتواجه مجتمعًا لا يتقبل الفن بسهولة، فكانت بدايته في الفن صعبة إلى حد ما.
وقال الديك: "بدأتُ بتوجيه فني، فتوجهت إلى فن الشارع والرسم في المناطق الحيوية، وكان سبب اختيار هذا النوع من الفن الرغبة بالتميز، وإيصال رسالة جديدة ومميزة غير مُشوهة، فضلًا عن أن الفن الغرافيتي فن قوي يخاطب العامة"، مضيفًا: "هذا السبب دفعني إلى أن أكون فنانًا غرافيتيًّا لأوصل رسالة إلى العالم بأننا شعب مظلوم، ونعاني من ويلات الاحتلال، ولنكشف زيفه، ونظهره على حقيقته أمام العالم".
فكثير من يمتلكون موهبة الرسم، ولكنه يرى أنه مختلف بعض الشيء عن الآخرين، فقد حقق بصمةً مميزة في الرسم الغرافيتي، وعلى صعوبته يجده مادة قوية لإيصال رسالة، فمن مميزات هذا الفن الاحتراف والتقنية العالية.
إذًا وظَّف الديك كل ملكاته في الفن ليتواصل مع جماهير شعبه ويُوصل ما يُؤلمهم إلى العالم، ويُخرج ما بأساريره وما بعقله الباطن، ويبوح به على مساحات كبيرة من الحوائط بأشكال وتعابير حية، فاختار جدارًا على الطريق الرئيسة الواصلة بين القدس ورام الله، لرسم جدارية يزيد طولها على 100 متر.
وهذه الجدارية التي رسمها بمبادرة ذاتية جسدت لوحة فنية متلاصقة بجمالها وتناسقها، لتوصل رسائل مختلفة تترجم الواقع الفلسطيني، فاختار شارعًا حيويًّا، الرسالة التي أراد إيصالها تقول: "إننا نعيش في واقع أليم، وإن أصواتنا تطالب بأن نحيا بسلام، وشعبنا يهوى الأمن والاستقرار، ولن ننحني أمام القوة، فالحق حق لنا، وهذه أرضنا ولن نتنازل عن شبر منها"، عقب: "لذا ارتأيت أنه من واجبي أن أكرس موهبتي في خدمة الوطن كالذين سبقوني".
وبين الديك أن من العقبات التي واجهته الاستمرارية في هذا المجال، لأنه صعب جدًّا، ويتطلب الكثير من الأمور المعنوية والمادية، مضيفًا: "لكني أعمل على تعزيز رسالتي وأحميها من الهرم والكهل".
وإن لديه مشاركات في معارض، فشارك في أربعة معارض في باريس، وتوجد بعض لوحاته في متحف "اللوفر"، ورسم جدارية ضخمة في مدرسة "إيلبرت" في باريس عام 2015م، وافتتح الجدارية كبار المنطقة ومديرو البلديات، ومنح لقب أول فنان غرافيتي يرسم في مدارس باريس التي من الصعب أن تضع مادة فلسطينية بداخلها، وكانت هذه التجربة من أهم التجارب لديه في الخارج.
وأشار الديك إلى أن لديه إنجازات كثيرة في أنحاء الضفة الغربية، وأهمها جدارية قلنديا الكبيرة التي رسمها في ذكرى النكبة الفلسطينية عام 2014م، ولديه الكثير من الأعمال في المدارس الحكومية والخاصة وشوارع الضفة الغربية، وفي باريس أيضًا.
يسعى جاهدًا أن يحقق أهدافه، وأن يكون فنانًا عالميًّا يمثل فلسطين في المحافل الدولية، وأن يوصل صوت الشباب المظلومين الذين لم تعد تُسمع أصواتهم، فرسالة الوطن يعيش من أجلها، قال: "من واجبنا الحفاظ على فلسطين كي نعيش بأمانٍ واستقرار؛ فالفنان تمامًا كنهرٍ جار، إذا استقر يصاب بالتكدر"، شاكيًا من تقصير الجهات الحكومية وتخاذلها إزاء الكثير من الفنانين، عقب: "ذلك محاولةٌ لإفشال الفن الوطني والقضاء على التراث الفلسطيني، وقتلٌ لطموح الشباب".