فلسطين أون لاين

​"فوبيا الفقد" أن تخشى الفكاك من مُرَّ التعلق

...
صورة تعبيرية عن "فوبيا الفقد"
غزة - مريم الشوبكي

أن تتعلق بشخصٍ لدرجة أن تنتهك خصوصيته وتكون "خياله" طوال الوقت، أو أن تتعلق بشخص رغم قسوته وظلمه لك فقط لأنك تخاف فقدانه، وأن يسكنك قلقٌ عليهم بحجم قلق من فقدان شخص بموته مثلاً، وهذا ما يسمونه علماء النفس "فوبيا الفقد" وتجعل الشخص دائم الخوف والتوتر لتفكيره الزائد في الأمر.

"فوبيا الفقد" هي الخوف المرضي الشديد نتيجة التعلق الزائد بشخص معين يشكل جزءا هاما في حياتنا واعتباره مصدر الأمان والاستقرار، أو من الممكن أن يكون مصدر تهديد ولكن لا تستطيع الاستغناء عنه.

بالرغم من إيذائه

تتحدث "إيناس" عن تجربتها المريرة مع زوجها الذي كانت تخاف من فقدانه لذا كانت تتحمل كل وسائل التعذيب والإهانة، وتبقى صاغرة لا تشتكي ولا تقاوم لمجرد أنها تخاف أن يتركها لأنها تحبه وتعتبره إنسانا طيبا.

تحدثت "ايناس" لـ"فلسطين": "قبل الزواج كنت معجبة بشخصية زوجي ووسامته فهو كان صاحب أخي وكنت أشاهده دائماً، ومجرد أن تقدم لخطبتي طرت من الفرح، وفي الخطوبة كان انسانا حنوناً طيباً لا يرفض لي طلبا، وهذا الأمر زاد من تعلقي به".

وأضافت: "بعد الزواج تحول إلى وحش، ضرب وإهانة وشتائم تطالني وتطال أهلي أيضاً، وبسبب تعلقي به وخوفي من فقدانه تحملت ولم أشتك يوما لوالدي، لكنه استغلّ استكانتي وضعفي ليمعن في ايذائي إلا أني بعد عشر سنوات لم أستطع التحمل وطلبت الطلاق".

أما "رانيا" فغياب الأمان والاستقرار الأسري في عائلتها، جعلها تبحث عن صديقة خارج عائلتها لتكون مصدر الأمان والحب بالنسبة لها، فتعرفت على "علا" والتي جذبتها خفة دمها وتفقدها والسؤال الدائم عنها.

قالت "رانيا" لـ"فلسطين" : "جمعنا تخصصٌ واحد في الجامعة أنا وعلا لذا كان فرصة البقاء معها خلال التواجد في الجامعة، ووصل بي الأمر اذا تعارضت محاضراتي مع وقت فراغها أترك محاضراتي من أجل الجلوس معها، كما أنني كنت أحزن حينما يأتي موعد مغادرتها الجامعة وكنت أتمنى ألا ينتهي اليوم معها".

وتابعت : " حبي لها لم يكن متبادلاً بل كانت تعتبرني مجرد زميلة فكانت تتعمد الاستهزاء مني وتوجيه كلام جارح لي، ومع ذلك كنت أحزن بيني وبين نفسي ولا أبين لها حتى لا أفقدها وكنت أفعل المستحيل من أجل ارضائها".

وأضافت: "بعد التخرج من الجامعة وحصولي على وظيفة شغلت وقتي وصقلت شخصيتي قررت حينها التوقف عن الاستمرار معها، ورويدا رويدا ابتعدتُ رغم الآلام النفسية التي شعرت بها كأن روحا انتزعت مني، ولكن في النهاية نفذت قراري وتملكتني بعدها راحة نفسية كبيرة".

خبرات صادمة

بدورها بينت الأخصائية النفسية إكرام السعايدة أن "فوبيا الفقد" تأتي نتيجة التعرض لخبرات صادمة في الحياة على اختلاف الشخص المفقود قريب أو حتى صديق، فيتعرض الإنسان على إثرها لهزةٍ نفسية شديدة، وتخوفات من فقد عنصر الأمان.

وأوضحت السعايدة لـ"فلسطين" أن الظروف المحيطة للمصاب بالفوبيا، وخوفه من فقدان الشخص الذي يتكفل بتوفير متطلبات المعيشة له قد تكون أحد أسباب الخوف من الفقدان.

ومن أعراض الفوبيا وآثارها على الشخص المصاب، ذكرت أنها سلوكٌ مرضي يفوق حد التعلق الطبيعي، يصاب على إثرها المصاب بحالة رهبةٍ وخوف شديدين وتنتج عنها آثار عديدة مثل الانفعال المبالغ في الحرص على هذا الشخص، ومحاولة التعلق الشديد واختلاق الفرص المواتية للبقاء بالقرب منهم، وانتهاك خصوصية الشخص من شدة حرصه المبالغ فيه.

ولفتت السعايدة إلى أن الإصابة بـالخوف الشديد من الفقد تسبب مشكلة اجتماعية وهي التزام المصاب بالشخص المتعلق به، وتعمل على تهميش العلاقات الاجتماعية الأخرى وهذا خطأ فادح، لذا فإن الحل يكمن في التوازن مع جميع الأطراف ووضع الحدود المناسبة.

ولفتت إلى أن "فوبيا" الفقد هي أحد ميكانيزمات "آليات الدفاع النفسي" للتعويض عن خبرة شعورية صادمة لذا يتعلق المريض بشخص بعينه ويجعله جل اهتمامه، ويصير لديه "التوحد مع الشخص الآخر" سواء يمثل في حياته شخصية ايجابية أو سلبية.

وأشارت الأخصائية النفسية إلى أن المريض يصاب بهزة نفسية عنيفة بسبب خوفه من فقدان الامان، حتى وإن كان الشخص معنفا ولكن لا يستطيع الاستغناء عنه كالزوج أو الأم أو الأب مثلاً.

الإرادة والعلاج

وشددت السعايدة على أن علاج "فوبيا الفقد" يبدأ من تملك المريض الإرادة للتخلص من المشكلة، ويستخدم في العلاج أساليب "العلاج المعرفي السلوكي"؛ و الخضوع لتعديل الأفكار والمشاعر السلبية والسلوكيات (كالاتصال الدائم، التفقد الدائم، والالتزام بالجلوس معه)، وإحلال الأفكار والمشاعر والسلوكيات الايجابية.

ونبهت إلى أن التوازن في علاقتنا الاجتماعية وإعطاء كل ذي حقٍ حقه من خطوات العلاج أيضاً، وكذلك توفير البيئة الآمنة للإنسان التي تحفظ كينونته الشخصية لإنزال الناس منازلهم، والتبصر بالذات فقد يرتكب سلوكيات خاطئة تؤدي إلى تهديد حياة الشخص الآخر بدافع الحب والتعلق بسبب المبالغة في المشاعر.

وأكدت الأخصائية النفسية على ضرورة الاستعانة بأصحاب الاختصاص والخبرة للعمل على حل هذه المشكلة، مع انتقاء الأشخاص الموثوقين والتحدث إليهم لإيجاد حلولٍ وسطية لما يمر به من مخاوف.