قمر من أقمار الجهاد والمقاومة ارتقى إلى العلياء شهيدا، انطلق من باطن الأرض حيث أنفاق العزة والكرامة، لم تثنه الأهوال عن مواصلة طريق ذات الشوكة، طريق المقاومة التي اختارها، لتكون سبيله إلى الله.
رأى الشهيد يوسف عصام الأغا (22 عاما) الموت عيانا قبل أيام قليلة من ارتقائه شهيدا، حيث كتب المولى له الحياة في حادثة انهيار نفق للمقاومة؛ لكن ذلك لم يثنه عن مواصلة العمل، فلبى نداء المجاهدين في يوم راحته، وفق والدته، ليبلغ مناه.
الوالدة المكلومة والتي تبلغ من العمر (41 عاما)، ظلت تحمد المولى، وتردد كلمات الحمد والشكر له، رغم قساوة الفراق، وقالت في حديثها لصحيفة "فلسطين": "أدعو الله أن يقوينا ويصبرنا على الفراق".
وأوضحت أنها كانت تدرك أن نجلها يوما من الأيام سيقضي هذه الحياة شهيدا، كونه اختار طريق الجهاد والمقاومة، قائلة بصوت باك والدموع تغرق خديها: "استعجل لقاء ربه، لم أتخيله شهيدا في الأنفاق، فقد كان يتمنى الإثخان في العدو والموت في ساحة القتال".
وتابعت: "يوسف كان كتوما، يخفي أسرار عمله في المقاومة، وكان يغيب عن المنزل أياما عديدة في ميادين التدريب والإعداد"، مضيفة: "وضع الله فيه الطيبة والحنان".
وأعربت -والنساء من حولها يواسينها- عن فخرها بتقلد وسام شهادته، داعية المولى أن يجعله مع الأنبياء والصديقين في الجنة، "فقد وهبته منذ ولادته لله رب العالمين".
ودعت للمقاومة بالتوفيق والنصر على الاحتلال، قائلة: "نحن مع المقاومة، نساندها بكل ما نملك، فهي الحافظة لكرامتنا وعزتنا في وجه المحتل الغاصب".
وعن اليوم الأخير ليوسف في المنزل، أوضحت أن اليوم الذي سبق شهادته، كان في ميدان التدريب، أما في يوم الوداع الأخير فقد ذهب للسوق من أجل بيع الخضار التي حصدها أبوه صباحا، ثم عاد للمنزل وخلد إلى النوم قرابة ساعة ونصف، حتى طلبه المجاهدون وكان يوم راحته، فلبى النداء ولم يتأخر، كعادته.
أما والده، حَمِدَ المولى كثيرا أَنْ مَنّ الله على نجله بالشهادة، قائلا: "خبر شهادته لم يكن مفاجئا، وكنت أتوقعه كل لحظة على مدار سنوات عمله في المقاومة".
وأوضح أن نجله كان يوفق بين دراسته الجامعية، وبين عمله في المقاومة، وبين عمله في فلاحة الأرض وزراعتها وبيع الخضار في السوق، مشيرا إلى أنه كان نعم الابن العابد الزاهد ذي الأخلاق العالية.
وقال الأغا في حديثه لصحيفة "فلسطين": "الأجل محدود ومكتوب، ونؤمن بقدر الله تعالى"، مطالبا المقاومة الفلسطينية بالمضي على طريق الشهداء.
وزفت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في بيان عسكري، شهيدها يوسف الأغا، من مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، موضحة أنه استشهد إثر انهيار نفق للمقاومة، مساء الجمعة الماضية "ليغادر دنيانا ما بدل ولا غير".
بدوره، أكد النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الدكتور أحمد بحر، في كلمة له خلال جنازة الشهيد، على "المضي في طريق المقاومة رغم المؤامرات المتتالية، والأزمات المفتعلة ضد شعبنا ومقاومتنا في قطاع غزة".
وشدد بحر على أن "سلاح المقاومة سيظل موجها نحو الاحتلال الإسرائيلي فقط"، قائلا: "مؤامراتهم (الاحتلال وأعوانه) ستبوء بالفشل بإذن الله تعالى، وسيتم الله نوره ولو كره الكافرون والمنافقون والعملاء".
من جهته، أوضح أحد عناصر كتائب القسام لصحيفة "فلسطين" على هامش جنازة الشهيد الأغا، أن يوسف كان من أعضاء وحدة الأنفاق القسامية، وكان مقداما معطاء، لم يدخر جهدا ولا وقتا إلا وكان من الأوائل في هذا العمل.
وقال: "يوسف عاش شهيدا متصفا بصفات الشهداء، محبوبا بين إخوانه، مطيعا، بارا، من الأخيار، مرابطا على الثغور، ومات ميتة الشهداء".
ولفت إلى أن قافلة الشهداء ماضية في طريق المقاومة، و"لن يثنينا الموت في سبيل الله فهو أسمى أمانينا، وسنمضي في طريق ذات الشوكة حتى النصر أو الشهادة".
وأشار إلى أنهم يعملون ويعدون من أجل لحظة أجملها في قول الله تعالى في سورة الأنفال "فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم"، قائلا: "هذه هي اللحظة التي نعمل من أجلها والرسالة التي نريد إيصالها للعدو الغاصب". وتابع: "ماضون في طريق الإعداد، نعمل ليلا ونهارا، رغم الحصار والتضييق".