تندفع الشابة سمية هنية بشكل لا إرادي نحو السياج الفاصل مع الأراضي المحتلة، لتكون ملاصقة له، لا تخشى رصاص الاحتلال ولا قنابله، ولا تهيبها مشاهد الشهداء والجرحى الذين يرتقون من حولها.
موقف ميداني حدث مع "سمية"، جعلها تتقدم وتتسابق الصفوف لإشعال إطارات السيارات وإلقاء الحجارة على جنود الاحتلال، ففي إحدى فعاليات مسيرات العودة تروي لصحيفة "فلسطين": "كان جنود الاحتلال يلقون قنابل الغاز بشكل كثيف نحو المتظاهرين، لم أكن حينها في الصفوف الأمامية بل كنت أحمل محلولا يخفف من تأثير الإصابة بقنابل الغاز".
وتضيف الشابة العشرينية وهي تغطي وجهها بالكوفية الفلسطينية: "رأيت إصابات كثيرة في الأمام، لم يكن هناك مسعفون، فقررت المخاطرة بحياتي وأتقدم وبدأت برش المحلول على وجوه المصابين".
وتفتخر بصنيعها: "خاطرت بحياتي خشية على حياة هؤلاء المصابين وبعدها قررت الاستمرار في التواجد وتقديم الاسعافات الأولية وإشعال الإطارات (..) أشعر بالفخر حينما أقوم بذلك".
"حينما ترى أرضك أمامك ويفصل بينك وبينها سلك زائل فإنك تتقدم بلا خوف" تتحدث عن شجاعتها، وتقول بجرأة: "طالما أنا على حق لماذا الخوف؟".
وبجانب السلك الشائك مشهد آخر يولد طاقة حماسية بداخلها ويشعل نيران الثورة لدى "سمية": "عندما أنظر لجنود الاحتلال وهم يحملون الأسلحة والقناصة ويطلقون الرصاص وقنابل الغاز، وهم خائفون مني لأنني أحمل حجرا، فهذا الموقف يدفعني للتقدم أكثر بدون خوف".
شقيقتها "زهرة" التي تقف بجوارها، وبعدما سمعت خطاب رئيس السلطة محمود عباس في الأمم المتحدة، الخميس الماضي، وتهديده بفرض عقوبات جديدة على غزة، تقول: "أدركت أن الحل الوحيد لكسر الحصار والتصدي لكل شخص يقف ضد غزة هو الاستمرار بمسيرات العودة".
وتضيف زهرة لصحيفة "فلسطين": "جئت للمشاركة وكلي إيمان وقوة، أن تحقيق هدفنا لا يحتاج لمن يقف معنا، وأننا كشعب سنقرر مصيرنا بأيدينا وسنعود لبلادنا رغما عن أنف عباس والاحتلال".
وفي الجمعة السابعة والعشرين التي حملت "جمعة انتفاضة الأقصى"، كانت "زهرة" تقف بين الصفوف الخلفية للمشاركين ليس لديها استعداد للتقدم أكثر، تراقب وتنظر، تسمع أصوات الانفجارات والرصاص، تكمل "شعرت بالخوف على شقيقتي خوفا من تعرضها لأذى، فقررت الدخول للبحث عنها والاطمئنان عليها".
خشيت أن تكون شقيقتها قد تعرضت لاستنشاق غاز وأغمي عليها، لم تجد شقيقتها، لكن وجدت عدة مصابين، كانت أمام اختبار صعب بمواصلة البحث أو المشاركة بإسعافهم، صدمها أول شخص حاولت اسعافه لأنه كان شهيدا ارتقى أمام ناظريها، فهل تراجعت؟ تعترف بردها "هذا الموقف ولد لدي شعورا وشجاعة، فقمت بالمشاركة بإسعاف المصابين والتقدم، وعقدت العزم على تقدم الصفوف كل جمعة".
إسراء الطناني الفتاة العشرينية توشحت بالكوفية أيضا، وتقدمت صفوف المتظاهرين، لم تكترث لأصوات الرصاص الكثيف، حملت إطار سيارات ووضعتها على أكوام الإطارات المشتعلة لتزيد سحبها الدخانية، لكن أثناء عودتها للخلف أصيب أحد الشباب من حولها، كانت هي ومجموعة من الشباب بالمكان، تواصل بنبرة صوت بدا عليها الفخر: "ذهبت لإحضار إطار آخر، وأشعلته بالقرب من الشاب المصاب لحجب رؤية الجنود عنه كي نقوم بإسعافه".
وتحرص "إسراء" على المشاركة بالمسيرات منذ انطلاقها، لا تتخلف عن المشاركة في أي من الجمع، تقوم بمساعدة الشباب الثائر بإعطائهم إطارات السيارات لإشعالها، ومياه الشرب، تتجول بين صفوف المتظاهرين الأمامية كي ترش عليهم المحاليل لتخفيف آثار الإصابة بقنابل الغاز.
آلا تخشين قنصك من قبل جنود الاحتلال؟ إجابة ممزوجة بالثقة: "نحن لا نخاف من الاحتلال، لأننا شعب جبار لن نتراجع عن استرداد حقوقنا، وهذا كله لأجل الدين والوطن".
لكن "إسراء" لا تنسى أصعب المواقف التي واجهتها خلال مشاركتها؛ حينما أصابت رصاصة إسرائيلية شابا كان يقف بجانبها على السلك الفاصل برأسه "كان موقفا صعبا لكنني حاولت تمالك نفسي وألا أكون ضعيفة".
وبين الفتيات الثلاثة، كان الشاب أحمد الذي بدا عليه علامات التعب والإرهاق من الركض والكر والفر، كان عائدا من الصفوف الأمامية، يتوشح بعلم فلسطين، يحمل أدوات على وسطه يستخدمها لقص السياج الفاصل، اختصر حديثه بأنه لا يشعر بالخوف عندما يتقدم، لا يتأثر بحجم الإصابات في صفوف المشاركين، بل أن جرائم الاحتلال تدفعه للوفاء لأصدقائه بمواصلة المشاركة.