تجاهل رئيس السلطة محمود عباس في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بشكل ملفت للنظر، أحداث مسيرات العودة وكسر الحصار وتضحياتها المتراكمة منذ انطلاقها في قطاع غزة في الثلاثين من آذار/ مارس الماضي، وذلك رغم ارتقاء ما يزيد على 190 شهيدا وإصابة أكثر من 20 ألف مواطن بجروح مختلفة.
وطوال 38 دقيقة -مدة الخطاب- لم يذكر عباس مسيرات العودة إلا مرة واحدة، وكذلك تجاهل تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية في القطاع المحاصر، حيث ذكر غزة في خمسة مواضع فقط، أربعة منها جاءت في إطار المطالبة بتسليم القطاع والخامس لتأكيد رفضه "إقامة دولة في غزة".
وجاء ذكر عباس للمسيرات بالثلث الأخير من خطابه الذي بلغ مجموعه نحو 1800 كلمة، عندما قال: "إننا نقاوم هذا الاحتلال بالوسائل المشروعة التي أقرتها منظمتكم الدولية، وعلى رأسها المقاومة الشعبية السلمية، كما يجري اليوم في مسيرات العودة وفي مناطق أخرى من أرضنا المحتلة"، دون أي إشارة لتفاصيل تلك المسيرات والأهداف التي خرجت من أجلها، فضلا عن تجاهله التام لدماء الشهداء والجرحى.
وحظيت مسيرات العودة منذ انطلاقها بدعم شعبي وفصائلي واسع من مختلف القوى الوطنية والإسلامية، حيث تهدف لكسر الحصار المشدد المفروض منذ أكثر من 12 على القطاع الساحلي، وتأكيد رفض الفلسطينيين لما تسمى "صفقة القرن" والاعتراف الأمريكي بمدينة القدس كعاصمة لدولة الاحتلال.
مسؤول اللجنة الإعلامية في "مخيم العودة" شرق مدينة رفح، محمد الشريف، وصف تجاهل عباس لتضحيات مسيرات العودة بـ"الطعنة الغادرة لدماء الشهداء الذين ارتقوا برصاص الاحتلال الذي لم يفرق بين هذا أو ذاك، بل جعل كل مشارك في المسيرات في دائرة الاستهداف المباشر".
وقال الشريف لصحيفة "فلسطين": "جاء ذكر عباس للمسيرات بموضع واحد وبشكل هامشي، في إطار تغني الكاذب بالمقاومة الشعبية على اعتبار أن مسيرات العودة وكسر الحصار أحد نماذجها الناجحة".
واستدرك: "ولكن الحقيقة أن عباس يحارب كل شيء في غزة حتى المسيرات الشعبية، وذلك عبر مواصلة فرض إجراءاته العقابية على القطاع وإغلاق فرص العلاج بالخارج أمام جرحى المسيرات، بجانب عدم تبني مؤسسات السلطة شهداء وجرحى مسيرات العودة".
وتابع: "العنوان الكبير للمسيرات هو نقيض لتوجهات وسياسات عباس، الذي سبق أن أعلن تخليه عن بلدته الأصلية "صفد"، وقَبِل كذلك بالتفاوض على حقوق اللاجئين وقضية العودة سواء بالتوطين أو التعويض، فضلا عن دوره بتشديد الحصار وتدمير مقومات الحياة في غزة، لذلك لا تروق لعباس هذه المسيرات".
وأعادت تلك المسيرات الأنظار مجددا إلى مصطلح حق العودة الذي ظهر عقب نكبة سنة 1948، إذ تهدف المسيرات الشعبية كذلك إلى تأكيد حق الفلسطينيين بالعودة إلى قراهم وبلداتهم المسلوبة عنوة، وفق قرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة بتاريخ 11/12/1948 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
تنكر لشهداء غزة
بدورها، قالت منسقة لجنة المرأة في مسيرات العودة وكسر الحصار اكتمال حمد، إنه "كان من المأمول أن يستغل عباس المحفل الدولي لينقل صورة عن الجرائم الدموية التي ارتكبها الاحتلال ضد المشاركين العزل في مسيرات العودة، ولكن سرعان ما خابت تلك الآمال وتجاهل رئيس السلطة المسيرات وحصار غزة بالكامل".
وأوضحت حمد لصحيفة "فلسطين"، أن تنكر عباس لشهداء غزة أعطى الاحتلال ضوءا أخضر لارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين المشاركين في المسيرات الشعبية، الأمر الذي ترجم سريعا أول من أمس بجمعة "انتفاضة الأقصى"، التي شهدت قمعا إسرائيليا داميا، داعية عباس إلى وضع غزة ومعاناتها على رأس أولويات السلطة بدلا من تجاهلها والتهديد بفرض المزيد من العقوبات على سكانها.
وشهدت الجمعة الـ27 من فعاليات مسيرات العودة على طول المناطق الشرقية لقطاع غزة قمعًا إسرائيليًا وصف بالأكثر دموية منذ يوم 14 مايو/أيار الماضي، حيث استخدم الاحتلال قوة نارية كثيفة في مواجهة متظاهرين عزل، ما تسبب بارتقاء 7 شهداء بينهم طفلان وإصابة المئات بجراح متفاوتة.
ومنذ الأيام الأولى لانطلاق المسيرة الشعبية تصدى جيش الاحتلال الإسرائيلي بالحديد والنار للمشاركين العزل في فعاليات مسيرة العودة وكسر الحصار، حيث تعمد جنود الاحتلال والقناصة المنتشرون خلف التلال الرملية استخدام الرصاص الحي والمطاطي والمتفجر، فضلا عن قنابل الغاز المسيل للدموع.
وبلغت المسيرات الشعبية ذروتها في 14 مايو/أيار تزامنا مع الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، إذ ارتكبت قوات الاحتلال مجزرة دامية بحق المشاركين، فاستشهد ما لا يقل عن 62 فلسطينيا، بينهم ثمانية أطفال ومقعد وصحفي، وأصيب أكثر من 2700 آخرين بجروح متفاوتة، بينهم 13 صحفيا.