صخب إعلامي سبق الخطاب، الذى تلاه أبو مازن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس الماضي، فضلًا عن التسويق للخطاب وكأنه يحمل علامة فارقة في سياسات أبو مازن، ومواقف جادة ومسؤولة تجاه التحديات الجسيمة التي تتهدد القضية الفلسطينية.
الكلمة المطولة التي ألقاها أبو مازن على منصة الأمم المتحدة، شملت جوانب عديدة، لا يمكن أن نتناولها في هذا المقال بشيء من التفصيل، وحتى لا نكرر نفس الأسلوب، فإنني سأتناول جانبًا من الخطاب، وهو قفزه عن ذكر مسيرة العودة وكسر الحصار، وتحاشيه بشكل مقصود ذكر شهدائها وجرحاها، رغم ادعاء أبو مازن أنه يؤمن بالمقاومة الشعبية السلمية، كنهج استراتيجي لا بديل عنه.
يبدو أن أبو مازن لا يشغله ما يحدث في غزة، ولم تتحرك نخوته ووطنيته وحتى إنسانيته لما يحدث لأطفال وشباب وشيوخ ونساء غزة، الذين ينتفضون ليل نهار ويحتجون على استمرار الحصار ويطالبون بالعودة ونيل حقوقهم المشروعة، في مسيرة سلمية وحراك جماهيري شعبي رافض لوجود الاحتلال من الأساس.
إن هذا الوطن لا يمكن أن يتجزأ وأن ننظر لجرح دون جرح، أو لعذابات دون أخرى تصيب الوطن، هي انتقائية غير محمودة وقع فيها كعادته، وقد نظر للوطن بعين واحدة لا يريد أن يري فيها غزة المحاصرة الجريحة التي أحيت هذه القضية وأعادتها إلى واجهة الاهتمام على الصعيد الدولي، ودفعت أطراف دولية عدة للتحرك وما زالت قلب الوطن النابض، فإن خصومتك السياسية مع الأحزاب والفصائل لا تعني أن تتجاهل القطاع وتتهرب من مسؤولياتك كونك ما زلت تتشبث بكرسي الرئاسة وتفرض نفسك كأمر واقع زعيمًا للسلطة تقرر ما تشاء في مصير وحقوق الشعب الفلسطيني.
إن السقطات السياسية التي تتدحرج فيها يومًا بعد يوم آخذة بالزيادة، وتظهر عجزك على وقف طريق التنازل والاستجداء، وتبرر لك السير في طريق انعدام الخيارات، وتحييد كل قوة ممكنة يمكن أن يمتلكها الشعب الفلسطيني، وتحقق مكاسب سياسية، هو خطاب التناقضات يدعو لهذه المسيرة السلمية ويؤمن بالسلام، لكنه أبدًا لا يؤمن بالحراك السلمى والشعبي الحاصل في قطاع غزة، نعم نتفهم أنَّ السلام في فهمك السياسي هو مزيد من الاستسلام والانبطاح أمام الجلاد، والتودد للمقصلة أن تنزل شفرتها على شعبنا بكل حنية، دون أن تعطي هذه الضحية الحق بالانتفاض قليلًا علها تفلت من الموت المحقق.
هل سمعتم أن زعيمًا وطنيًّا وقائدًا سياسيًّا، يصبح عدوًّا لشعبه ولا يأبه لتضحياته، بل ويسعى لإجهاض ثورته، غريب أمرك يا أبو مازن، لقد كان هناك متسع من الصفحات لتضع بعض كلمات الدعم والتعاطف لمسيرة العودة وكسر الحصار.
لقد كانت الفرصة كافية حينما بدأت تمثل دور البطل وتؤكد بسبابتك أنك يمكن أن تفعل الكثير وأنك لن تلتزم ما لم يلتزموا، كنا نتوقع أن تخاطب العالم وتقف دقيقة صمت بل وقفة غضب احتجاجًا على قتل عشرات المدنيين الأبرياء وجرح الآلاف في هذا الحراك الوطني على حدودنا المحتلة في قطاع غزة.
لقد خيبت آمال شعبنا في أكثر من موطن في خطابك المكرور، مؤكدًا ذات الدرب نحو السلام الذى لم يعشه ولم يجده شعبك واقعًا وظللت أسيرًا لهذا الطريق الذى أوصلنا إلى نهاية مظلمة، وقد التقط الصهاينة هذا الموقف في خطابك المشؤوم، ولا حظوا غياب التضامن والاهتمام بهذه المسيرة وهذه التضحيات، لتعطيهم شرعية كافية لفتح النار والتسبب بسقوط مجزرة جديدة بحق أطفال غزة على يد العدو الصهيوني المجرم.
إن الدماء التي سقطت وتسقط لا تعفيك ولا تعفي الاحتلال من مسؤوليته أمام هذه الجرائم، وستبقى هذه التضحيات الصفحة السوداء والعار الذى يلاحقك بعد أن أعطيت شرعية للاحتلال بقتل أطفال غزة، دون أن تسمح لنفسك بصحوة ضمير أو موقف وطني فريد يمكن أن يترك لك صفحة بيضاء يتذكرها لك هذا الشعب المكلوم.