رغم بطش الاحتلال الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني على مدار العقود الماضية لم يتوان الفلسطينيون عن ابتكار وسائل المقاومة لتحقيق هدفهم بالعودة إلى ديارهم المحتلة، ووقف الجرائم الممارسة بحقهم.
وشهدت انتفاضة الأقصى التي اندلعت شرارتها في 28 أيلول (سبتمبر) 2000م تطورًا في أدوات مقاومة الاحتلال، مقارنة بالانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987م، بكثرة المواجهات، وتصاعد وتيرة الأعمال العسكرية بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
ونفذت الفصائل هجمات في عمق المدن المحتلة استهدفت تفجير مطاعم وحافلات، تسببت بمقتل مئات الإسرائيليين.
أدوات المواجهة
يقول الباحث في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي عبد الحميد صبرة: "إن الشعب الفلسطيني استخدم كل ما هو متاح، بدءًا بالأدوات الشعبية التي استخدمها خلال الانتفاضة الأولى، مثل الحجارة والزجاجات الحارقة وغيرها".
ويضيف صبرة لصحيفة "فلسطين": "وسرعان ما انتقلت الانتفاضة إلى طور آخر خلال بضعة شهور، واستخدمت فيها المقاومة الأسلحة الخفيفة الفردية من الكلاشنكوف و(m 16) والقنابل اليدوية، في صد الاجتياحات، إلى جانب زراعة العبوات الأرضية والجانبية البدائية الصنع في استهداف الدبابات والمدرعات والمركبات العسكرية".
واستخدمت المقاومة –على وفق قوله- مضادات الدروع، وبعضها صنع محليًّا كسلاح الياسين مضاد دروع "b2"، واستخدم في مواجهة الآليات المدرعة أسلحة بسيطة تعبر عن إرادة المواجهة كقذائف "أنيرجا".
وإلى جانب ذلك صناعة الأحزمة الناسفة التي يرتديها الاستشهاديون، ونفذوا بها عشرات العمليات في قلب المدن المحتلة، ويلفت إلى أن المقاومة استخدمت كل سلاح ممكن -ولو كان بسيط الفعالية- في المواجهة مع الاحتلال، ونجحت في تسخير بعض المواد البسيطة خدمة لها في تصنيع المتفجرات.
ويبين أن المقاومة الفلسطينية أكدت استعدادها للمواجهة الطويلة وجدارتها بتطوير السلاح ذاتيًّا، وتمثل ذلك بسلاح الصواريخ الذي بدأته عام ٢٠٠١م، ما أوقع مئات القتلى الإسرائيليين خلال انتفاضة الأقصى.
ويقول: "إن إرادة المقاومة وأدواتها البسيطة كانت سببًا في دحر الاحتلال من قطاع غزة في 2005م، وتفكيك بعض المستوطنات في شمال الضفة الغربية، كما كانت سببًا في كي وعي العديد من قادة الاحتلال وأجبرتهم على تغيير أفكارهم، وتحول بعضهم عن إيمانه بضرورة السيطرة على كل فلسطين إلى ضرورة الاندحار من الضفة وغزة تجنبًا للصدام مع الفلسطينيين".
وأعادت المقاومة هيكلتها مع اندلاع انتفاضة الأقصى ونجحت في إعادة التوازن للحالة الفلسطينية، بعد أن تغول الاحتلال على الشعب في الضفة الغربية وقطاع غزة، بحسب قول الخبير في شؤون الأمن القومي إبراهيم حبيب.
يضيف حبيب لصحيفة "فلسطين": "بدأت المقاومة في غزة بخطوات واثقة عمليات البناء والتطوير بدءًا بالبندقية ومرورًا بالصاروخ والأنفاق وتطويرها".
ويبين أن المقاومة راكمت أوراق القوة في أكثر من محطة، وتمكنت من بناء إستراتيجية أنهكت الاحتلال بالأدوات والوسائل التي استخدمتها، إضافة إلى الحرب الإعلامية والتكنولوجية، وغيرها.
ويؤكد حبيب أن المقاومة الفلسطينية أبدعت في اختيار الأدوات والوسائل التي أنهكت الاحتلال، وأوجدت قوة فلسطينية للمرة الأولى يعجز الاحتلال عن اجتثاثها في قطاع غزة.
يقول حبيب: "إن حصار قطاع غزة كان يرمي إلى إعاقة عمل المقاومة، لكن سرعان ما تغلبت عليه وواكبت تطورها وعملها في مواجهة الاحتلال"، مشيرًا إلى أن الحروب العدوانية الثلاث التي شنها الاحتلال على القطاع كان يراد منها استنزاف المقاومة والقضاء عليها، لكن الاحتلال فشل في ذلك.
ويلفت الخبير في شؤون الأمن القومي إلى أن المقاومة فرضت معادلة توازن الرعب مع الاحتلال الإسرائيلي، واستطاعت أن تؤثر على جبهته الداخلية والضغط عليه واستنزافه، وفرض معادلات جديدة بالقوة، كمعادلة "النار بالنار" و"الدم بالدم" و"الصواريخ بالصواريخ"، مؤكدًا أن الاحتلال فشل في تغيير تلك المعادلات بفضل صمود وثبات ورد المقاومة.
واستخدم الاحتلال الإسرائيلي كل أنواع الأسلحة لمواجهة المنتفضين والمقاومة الفلسطينية خلال انتفاضة الأقصى، على وفق إفادة المختص في الشأن العسكري يوسف الشرقاوي.
يبين الشرقاوي لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال الإسرائيلي استخدم كل أنواع الأسلحة للقضاء على المقاومة والمتظاهرين، لافتًا إلى أنه لجأ إلى البندقية حتى الصاروخ، والطائرات مختلف أنواعها وأحجامها، والمدفعيات، والدبابات، والرصاص العادي والمتفجر الممنوع دوليًّا.
كل الأسلحة والوسائل القتالية والمعدات والأجهزة الحربية والتكنولوجية المتطورة التي استخدمها الاحتلال فشلت في القضاء على المنتفضين، والمقاومة الفلسطينية التي عملت على تطوير نفسها، وواجهت جرائمه التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته.
واندلعت شرارة انتفاضة الأقصى، عقب اقتحام مجرم الحرب أرييل شارون باحات المسجد الأقصى، تحت حماية نحو ألفين من الجنود والقوات الخاصة، بموافقة من رئيس حكومة الاحتلال في حينه إيهود باراك.