قائمة الموقع

​تأخر إجابة الدعاء خير من الله لعبده

2018-09-26T08:00:08+03:00
صورة أرشيفية

لكل منا حاجات في هذه الدنيا، نلح على الله عز وجل بالدعاء طلبًا في تحقيقها، ومن المشاكل والمظالم ما نكثر دعاء من هو على كل شيء قدير لحلها، ولكن بعض الأدعية تتأخر إجاباتها، والبعض يبدأ بالشك ويمل، ولا يعرف أن الله قد أخر تلك الدعوة له في الآخرة.

ولتأخير استجابة الله سبحانه وتعالى للدعاء حكمة يسردها أستاذ الفقه المقارن في كلية الدعوة الإسلامية د. عبد الباري خلة، في سياق التقرير الآتي:

أسباب معينة

بين د.خلة لـ "فلسطين" أن عمر -رضي الله عنه- كان يقول: "أنا لا أَحْمِلُ هَمَّ الإجابة، لَكِنْ أَحْمِلُ هَمَّ الدُّعاء"، وقال ابن القيِّم -رحمه الله تعالى- في كتابه "الدَّاءُ والدَّواءُ": "والأدعيةُ والتَّعوُّذاتُ بمنزلة السِّلاح، والسِّلاحُ بضارِبِهِ، لا بِحَدِّهِ فقط. فمتى كان السِّلاحُ سلاحاً تامّاً لا آفةَ به، والسَّاعِدُ سَاعِدٌ قويٌّ، والمانعُ مفقودٌ؛ حَصَلَتْ به النِّكاية في العدوِّ، ومتى تخلَّف واحدٌ من هذه الثلاثة تخلَّف التأثيرُ".

وأوضح أن من الأسباب المعينة على تحقيق الإجابة، الإخلاص في الدعاء، وهو الاعتقاد الجازم بأنَّ الله عزَّ وجلَّ هو القادر على الإجابة قال سبحانه: "وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ" [الأعراف: 29]، والتَّوبة النصوح، والرجوع إلى الله تعالى؛ فإنَّ المعاصيَ تحجب الدُّعاء؛ قال اللهُ تعالى على لسان نوح عليه السلام: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً" [نوح: 10 - 12].

وذكر أستاذ الفقه المقارن أن من أسباب الاستجابة أيضا التضرُّعُ والتذلُّلُ، قال الله تعالى: "ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" [الأعراف: 55]، استقبال القِبْلَة، والدُّعاء حال الطهارة، واستفتاح الدُّعاء بالثَّناء على الله تعالى، والصلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وأشار إلى أن الإلحاح في الدعاء وعدم الملل؛ فعن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: "كان يُعْجِبُهُ أن يَدْعُوَ ثلاثاً ويستغفر ثلاثاً"؛ رواه أبو داود والنَّسائيُّ.

ولفت إلى أن تجنب الاستعجال سبب يعين على الاستجابة، فإنه من آفات الدعاء التي تمنع قبول الدعاء فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي. رواه البخاري.

أوقات فاضلة

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ، قَالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ". رواه مسلم.

ونبه د. خلة إلى أن تحري الأوقات الفاضلة يساعد على إجابة الدعاء كوقت السَّحَر، والثُّلُث الآخر من الليل، وآخر ساعةٍ من يوم الجمعة ووقتُ نزول المطر، وبين الأذان والإقامة، وكذلك تحري الأماكن الفاضلة كالمساجد، وخاصة المسجد الحرام، والتَعَرف إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ؛ قال –صلى الله عليه وسلم-: "تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ". رواه أحمد.

وأشار إلى أن الدعاء يأخذ أشكالاً ثلاثًا: أن يستجيب الله للداعي في الدُّنيا، وأن يدفع الله بهذا الدُّعاء بلاءً عنه؛ فإن الدعاء صاعدٌ، والبلاء نازلٌ، فيتصارعان، فيَصْرَع الدُّعاءُ البلاءَ، وأن يؤخر الله للداعي تلك الدَّعوة في الآخرة.

وختم حديثه قائلًا: "ومع الأخذ بالأسباب يستجاب الدعاء وقد يتأخر لحكمة يعلمها الله واختيار الله لعبده خير من اختيار العبد لنفسه ورب ضارة نافعة وصدق الله {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)} [البقرة: 216]".

اخبار ذات صلة