كشفت وزارة الخارجيّة الأمريكيّة، أنّ التنسيق الأمنيّ بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيليّ ما زال مُستمرًا وبوتيرةٍ عاليةٍ، وأنّ الأجهزة الأمنيّة التابعة للسلطة، تقوم بواجباتها على أحسن وجه في مُحاربة المقاومة في الضفة الغربية، الأمر الذي عدّه محللان سياسيان دليلًا على تمسك السلطة باتفاقات التسوية بالرغم من التغول الأمريكي- الإسرائيلي على القضية الفلسطينية.
وقالت صحيفة "هآرتس" العبريّة، في عددها الصادر أمس: إنّ الخارجيّة الأمريكيّة أعدّت وأصدرت تقريرًا حول العلاقات بين إدارة الرئيس دونالد ترامب والسلطة في رام الله، أكّدت فيه أنّ الأجهزة الأمنيّة، التابعة للأخيرة تقوم بواجباتها على أحسن وجه في مُحاربة ما أسماه التقرير بـ(الإرهاب) في الضفّة الغربيّة، وتحديدًا في حربها ضدّ حركتي حماس والجهاد الإسلاميّ.
وأوضحت الصحيفة العبرية أنّ التقرير الأمريكي صدر على الرغم من التوتّر السائد في العلاقات بين واشنطن والسلطة الفلسطينيّة، والذي وصل إلى أعلى درجاته بعد اعلان الرئيس ترامب في كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي عن القدس عاصمةً أبديّةً لـ(إسرائيل)، ومن ثمّ قام بنقل سفارة بلاده من (تل أبيب) إلى القدس.
وذكر التقرير أنّ إدارة ترامب تدعم بشكلٍ فاعلٍ الأجهزة الأمنيّة التابعة للسلطة، ويتمثّل هذا الدعم في تدريب هذه القوّات، بالإضافة إلى تقديم الدعم الماليّ لها، وذلك على الرغم من أنّ إدارة ترامب قامت في الفترة الأخيرة باقتطاع مئات ملايين الدولارات من الدعم الأمريكيّ للفلسطينيين.
وأشار إلى أنّ البند الوحيد في الدعم الأمريكيّ للفلسطينيين، والذي لم يتّم المسّ به، يتعلّق بالدعم الأمريكيّ لقوّات الأمن التابعة للسلطة، مُوضحًا في الوقت ذاته أنّه خلال الصيف الحاليّ تمّ تحويل مبلغ 60 مليون دولار من واشنطن إلى رام الله لدعم الأجهزة الأمنيّة التابعة للسلطة، بهدف المُحافظة على وظيفة هذه الأجهزة في منع وإحباط وإجهاض (الإرهاب) الفلسطينيّ، كما جاء في التقرير الأمريكيّ.
ولفتت الصحيفة العبريّة، إلى أنّه وفقًا لما جاء في التقرير الأمريكيّ، فإنّه في العام 2017 تمّ تسجيل انخفاض في العمليات الفدائيّة الفلسطينيّة ضدّ أهدافٍ إسرائيليّةٍ، مُقارنةً بعدد العمليات التي وقعت في العامين 2015 و2016.
محاربة المقاومة
ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح عثمان عثمان، أنّ التقرير الأمريكي دليل قاطع على أن كافة المتغيرات السياسية الجارية، والتغول الأمريكي- الإسرائيلي على القضية الفلسطينية لم يؤخر السلطة لحظة واحدة عن عملها ضمن اتفاقات التسوية.
وقال عثمان لصحيفة "فلسطين": "إن كل من يقاوم الاحتلال من أبناء الشعب الفلسطيني هو بنظر واشنطن و(إسرائيل) إرهابي يجب محاربته وهو ما تقوم به السلطة بكل إخلاص".
ولفت إلى أن السلطة لا تحارب وفقا للواقع المنظور الإرهاب الاستيطاني الإسرائيلي، وإرهاب دولة الاحتلال، واستهدافها للحجر والأرض والبشر، بقدر ما تخطو تجاه محاربة المقاومة في الضفة الغربية.
وذكر عثمان أنّ واشنطن تبدي ارتياحًا منقطع النظير تجاه السلطة، لأنها تضمن أنّ ما تدفعه الخزانة الأمريكية لها، لا يذهب هدرا أدراج الرياح، وأن هناك نجاحًا في الاستثمار تجاه "الفلسطيني الجديد"، فيما تستفيد السلطة من ذلك ضمان بقائها وديمومتها.
من جانبه، رأى المحلل السياسي، د. عبد الستار قاسم، أن محاربة السلطة للمقاومة في الضفة الغربية لم تتوقف يوما واحدا من قبل السلطة الفلسطينية، والعمل ضمن إطار التنسيق الأمني.
وقال قاسم لصحيفة "فلسطين"، إن فصائل المقاومة بفعل هذه المحاربة باتت "مسحوقة"، وغائبة عن المشهد بشكل شبه كامل، وهو ما يحظى برضا وسعادة (تل أبيب)، والتي ترى في ذلك تحقيقا لمصالحها دون أي تعب منها.
وأشار إلى أن السلطة تمارس الاعتقال والاستدعاء السياسي، ومنع التحويلات المالية، ومحاربة كل ما له صلة بفصائل المقاومة، وهو ما يعرف بـ (محاربة الإرهاب) وفقا لواشنطن.
وبين أن الفلسطيني الذي يقف مقاوما للاحتلال يندرج ضمن خانة (الإرهاب) الأمريكية ويتم محاربته، مؤكدًا أن واشنطن تريد ساحة فلسطينية مسالمة منزوعة الإرادة، والفعل، تجاه ما تمارسه (تل أبيب)، وإن كان الأمر يصل إلى حد الجريمة بحق الوطن والمواطن.
وشدد قاسم على أن السلطة تنظر لمحاربة المقاومة باعتباره أولوية ومصلحة أساسية لديها، وتخرّجه ضمن سياقات الفلتان الأمني، وتجارة المخدرات، وأحداث الفوضى، وإحباط ما يمكن أن يُغضب الجهات الدولية عليها.