أكد رئيس دائرة المخطوطات في المسجد الأقصى ناجح بكيرات أن الاحتلال الإسرائيلي بات يكرّس في الآونة الأخيرة مشاريعه التهويدية داخل مدينة القدس المحتلة على سياسة طرد السكان المقدسيين الأصليين وإحلال الغرباء المستوطنين بدلا منهم، إلى جانب مواصلة العمل بمشاريعه الاستيطانية الأخرى على تعدّد تصنيفاتها.
وقال بكيرات لصحيفة "فلسطين" أمس: "لطالما مارس الاحتلال منذ سيطرته على كامل مدينة القدس عام 1967، أساليب ضغط على المقدسيين قائمة على الترغيب أو الترهيب بهدف دفعهم لترك ممتلكاتهم وهجر المدينة، ولكن في الفترة الأخيرة تصاعدت حجة الهجمة الإسرائيلية الساعية للقضاء على التواجد الفلسطيني في محيط الأقصى وبالبلدة القديمة تحديدا".
وأوضح بكيرات أن سياسة إحلال السكان مرتبطة بمسار تهويدي آخر يسعى إلى تدمير الهوية البصرية للقدس المحتلة، عبر إظهار المدينة بطابع يهودي غير البناء العربي الإسلامي المتجذر فيها، قائلا: "أصبح الزائر اليوم يشاهد العديد من الرموز والمباني اليهودية في الأحياء المقدسية المطلة على الأقصى وذلك بدلا من البيوت العربية ومآذن المساجد".
وأشار بكيرات إلى أن الاحتلال يخنق المسجد الأقصى بسلسلة من المشاريع العمرانية تحمل في هندستها الخارجية ومظهرها العام طابعًا يهوديًا دخيلا على مدينة القدس، فضلا عن نيته تنفيذ مشاريع أخرى ستحجب الرؤية بالكامل عن جميع معالم المسجد الأقصى، وكل ذلك يندرج في إطار سياسة التهويد البصري.
وفي سياق التهويد البصري، تتعمد سلطات الاحتلال منذ قرابة العام عدم إصلاح المشاعل الضوئية "الكشافات" المحيطة بمسجد قبة الصخرة المشرفة، وعلى إثر ذلك تبدو قبة الصخرة خلال ساعات الليل معتمة على عكس الصورة المعتادة عنها، حيث كانت الأنوار الصفراء تتلألأ على جسم القبة الذهبية المرصوصة المكسورة بالفسيفساء والأضواء تسطع من جنبات المسجد.
ومقابل المشهد المعتم السابق، تسطع المشاعل الكثيفة من الكنس والمراكز التهويدية المحيطة بالقدس وعند حائط البراق (الجدار الغربي للمسجد الأقصى(، الأمر الذي يجعل الزائر ينفر من المناطق المعتمة (قبة الصخرة) ويتجه بنظره نحو المناطق المضيئة بكثافة من قبل سلطات الاحتلال.
وحول أوضاع مدينة القدس المحتلة بعد نقل مقر السفارة الأمريكية إليها منتصف مايو/ أيار الماضي، أكد بكيرات أن المدينة المقدسة تشهد هجمة مضادة منذ انتصار المقدسيين في هبّة الأسباط وإفشال مساعي الاحتلال بنصب البوابات الإلكترونية عند مداخل الأقصى، بعد أغلق أبوابه ومنع الصلاة فيه في سابقة هي الأولى من نوعها منذ حرق المسجد الشريف عام 1969.
وبين أن الهجمة المضادة بلغت حدتها بعد مصادقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قرار نقل السفارة الأمريكية من (تل أبيب) إلى القدس المحتلة في السادس من ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، فطالت الهجمة كل شبر في العاصمة الفلسطينية المحتلة من إنسان وحجر وتاريخ وحضارة.
وذكر بكيرات أن الاحتلال بات يسابق الزمن بشكل حقيقي سعيا وراء تنفيذ التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى بين المصلين المسلمين من جهة والمستوطنين اليهود من جهة أخرى على غرار المسجد الإبراهيمي في الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، مشيرًا إلى أن الوضع الإقليمي يساعد الاحتلال على تنفيذ مخططاته.
وأضاف: "بوتيرة متسارعة تزداد كثافة اقتحامات المستوطنين للأقصى تحت حماية مشددة من عناصر شرطة الاحتلال، والتي تمارس في الوقت ذاته مضايقات متعددة على حركة دخول المصلين إلى المسجد وتحظر الدخول على عشرات المرابطين والمرابطات وفق قائمة منع معدة سلفا".
وأشار بكيرات إلى مطالبة محكمة الاحتلال أواخر الشهر الماضي من حكومة (تل أبيب) بتبرير تقييد حركة اقتحام المستوطنين اليهود للأقصى، وذلك سعيا وراء تمكينهم من اقتحام المسجد بأي وقت دون الالتزام بالمواعيد التي تضعها عادة شرطة الاحتلال في ساعات الصباح الأولى.
وشدد بكيرات على أهمية زيادة فعالية حركة الرباط داخل أركان المسجد الأقصى طوال أيام الأسبوع، وذلك رغم العراقيل الإسرائيلية، وتوحيد القرار الفلسطيني والعربي المدافع على قضية القدس في جميع المحافل الدولية، بما يضمن بشكل أساسي تعزيز الوجود المقدسي داخل المدينة.