روح انتفاضة القدس المباركة تسري في شرايين فتية الضفة الأبطال, امتدادًا طاهرًا لأجيال من الفدائيين, الذين أيقنوا أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة, وأن الاحتلال لا يقابل إلا بالطلقة الثورية, التي تزعزع أمنه وتزلزل كيانه, ولا تمنحه احتلالًا هادئًا بلا خسائر وأثمان تصب في مسار دحره عن أرضنا إلى الأبد, روح انتفاضة القدس باقية ترفرف فوق جبال وأودية الضفة المحتلة, وتتنقل من بلدة إلى أخرى ومن ميدان إلى ميدان, وعلى أغصان الزيتون يُعقد العزم على الثأر للوطن والمقدسات ودماء الشهداء وآلام الجرحى وعذابات الأسرى, ولن يتوقف الثأر حتى يزول الاحتلال.
عملية مستوطنة "غوش عتصيون" تأتي في السياق الطبيعي لحركة الجماهير الفلسطينية, التي ترى المقاومة خيارًا لا يمكن الاستغناء عنه, فلا للركون إلى الاحتلال وبطشه, ولا للصمت عن جرائم المستوطنين, ولا يمكن إغفال ما يحدث للمقدسات في فلسطين من انتهاكات وتدنيس والهجمة الشرسة لتهويدها, هذا ما حرك المقاوم خليل يوسف جبارين من بلدة يطا قرب الخليل المحتلة, ليخرج بسلاحه الأبيض ثأرًا للمقدسات وانتصارًا للقضية الوطنية, وردًّا على جرائم الاحتلال ومستوطنيه بحق الأرض والمقدسات, يشاركه في هذا الهم الوطني آلاف من الشباب الثائرين, منهم من سبقوه، أمثال الأسير عمر العبد بطل عملية مستوطنة "حلميش"، والشهيد محمد دار يوسف منفذ عملية مستوطنة "أدووم" قرب رام الله المحتلة, وغيرهم العشرات من الشهداء والأسرى الجرحى أبطال عمليات انتفاضة القدس, وهناك كثير من الشباب سيحلقون بهذا الركب الفدائي في قابل الأيام, وهذه المسيرة من العمليات الفدائية -وخاصة الفردية منها- لن تتوقف, فالذي يحركها ويمدها بزاد الاستمرار ووقود الاشتعال هو الانتماء الوطني الصادق إلى فلسطين ومقدساتها, وهذا الانتماء الساكن في أفئدة الشباب الفلسطينيين لا تقتله أوهام التسويات، وأحلام "السلام" الأوسلوي التي لا يزال يسوقها بعض.
الفتى الشجاع خليل جبارين طعن بسكينه سياسات الاستيطان الصهيونية, وأوغل الطعن في منظومة الأمن الصهيوني بضربات قاتلة, وكان صيده في "غوش عتصيون" صيدًا ثمينًا, بقطفه رأسًا أمنيًّا استيطانيًّا كبيرًا, هذا الرأس يدعى "آري بولد" (40 عامًا)، ضابط في الوحدات الخاصة بجيش الاحتلال، ويشارك في حراسة المستوطنات، ويساهم في الترويج للاستيطان بمحيط مدينة بيت لحم المحتلة, المقاوم الفتى خليل جبارين (17 عامًا) كتب رسائله بالسكين، فكانت أبلغ بالوصول وأسرع في الفهم, ويمكن إيجاز تلك الرسائل فيما يلي:
•إن الحق الفلسطيني لا يمكن أن تطمسه قرارات هوجاء لراعي البقر الأمريكي, فهؤلاء الفتية الذي يخرجون في جولات الثأر لهم أقدام راسخة في الوطن الفلسطيني، وحاضنتهم الثورية تمد الانتفاضة بنماذج بالآلاف من فتية الثأر ورجال المعركة, لتنتصر الذاكرة الفلسطينية والوعي الوطني على قراصنة مؤامرة كي الوعي الفلسطيني, في محاولة لتحويل الفلسطينيين إلى كائنات داجنة يُطمس ارتباطها العقدي والقومي والوطني على هذه الأرض المباركةفلسطين, وبذلك يسلم الفلسطيني بأن الصهيوني هو المسيطر وصاحب السطوة على أرضنا عهدة الأجداد وميراث الأحفاد.
•تؤكد العملية الفدائية للفتى الجبارين أن المقاومة خيار شعبي, ومطلب جماهيري, وهي بمنزلة القانون الفلسطيني للتعامل مع الاحتلال ومستوطنيه, فبعد ربع قرن على مهزلة "أوسلو" أيقنت الأجيال الفلسطينية أن الحديث عن تسويات واتفاقيات هو الخديعة بعينها, وأن الحقوق الوطنية لا تطلب على طاولة المفاوضات, وإنما تنتزع انتزاعًا في ساحات القتال وميادين القوة والنزال.
•لن تستطيع أي قوةأمنية واستخبارية أن تقف في وجه مقاومة شعبنا, أو أن تمنعها البتة, حتى لو نجحت في إفشال بعض العمليات الفدائية, فإن المحاولات لن تنقطع؛ فالمقاومة بمنزلة الروح تسري في جسد الكل الفلسطيني، ستوقظ في كل وقت من ينتفض غضبًا للانتهاكات الصهيونية في المسجد الأقصى, ورفضًا للقرارات الأمريكية, وردًّا على العدوان الاحتلالي على الخان الأحمر, ونصرة للمحاصرين الثائرين في قطاع غزة.
•وحدة شعبنا تتحقق في ميدان المقاومة, وهذا تؤكده حالة الفرح الشعبي العارم بعملية خليل جبارين البطولية والتأييد لها، وهي حالة لا شعورية ينطلق بها المجموع الفلسطيني المؤمن بالمقاومة خيارًا لمواجهة العدوان، وردع الاحتلال ومستوطنيه.