تستذكر المعلمة رنا أبو جربوع من مدينة رفح "رحلة الآلام والإذلال" على حاجز "محفوظة- أبو هولي" الواصل بين جنوب قطاع غزة وشماله الذي كانت تمر منه يوميًا أثناء توجهها للدراسة الجامعية بمدينة غزة.
وتشير أبو جربوع لصحيفة "فلسطين"، إلى أن أول مرة أغلق الحاجز فيها كانت أثناء عودتها وشقيقاتها من الجامعة، وتصف ذلك اليوم "بالقاسي والمرعب، حيث أمرهم جنود الاحتلال عبر المذياع بالترجل من السيارات وقطع الطريق كلها مشيًا على الأقدام".
وتقول: "لم يكن أمامنا خيار إلا الامتثال بالمشي، رغم أننا كنا ندرك تمامًا أننا سنكون بين فكي كماشة فعليًا، وقد حاول جيب عسكري أثناء عبورنا ونحن في حالة خوف شديد التوجه نحونا مباشرة بسرعة جنونية لإخافتنا فوق الخوف الذي كنا فيه".
ولم تكن تلك الحادثة الأولى ولا الأخيرة، كما تقول أبو جربوع، فذكريات الحاجز الأليمة بعد 13 عامًا على الاندحار الإسرائيلي من قطاع غزة لا تزال عالقة في الذاكرة فقد كانت المضايقات العسكرية الإسرائيلية شبه يومية، لافتةً إلى استهتار جنود الاحتلال المتحصنين في الأبراج العسكرية على طرفي الحاجز بأرواح العابرين كإطلاق النار أمامهم وبين أرجلهم.
تنبه أبو جربوع إلى أنها وجميع زميلاتها من جنوب القطاع كن يستيقظن مبكرا، ويصعدن الحافلات الخاصة بنقل الطلبة ويصلن بوابة حاجز "محفوظة"، في تمام الساعة السادسة صباحًا كي يضمن العبور إلى غزة والالتحاق بالمحاضرات الجامعية في وقتها حيث غالبًا ما كانت تبدأ في الساعة الثامنة صباحًا.
وفي رحلة العودة من الجامعة تشير المعلمة الفلسطينية، إلى أنها كانت تنتظر والطلبة الجامعيين والمواطنين العائدين من أعمالهم من الساعة الثانية ظهرًا وحتى ساعات متأخرة من الليل حيث يتم فتح الحاجز أو الاستمرار في إغلاقه، الأمر الذي كان يضطرها للنوم في الحافلة طيلة هذا الوقت.
وحمل ذكرى شهر رمضان ألما خاصا لدى أبو جربوع، إذ إن أيامًا كثيرة كانت تضطر فيها للإفطار على الحاجز بعد تعمد إغلاقه أثناء العودة من الجامعة والمبيت في مبانيها مع فقدان الأمل في فتحه.
ومع مرور أبو جربوع في مكان الحاجز بعد أكثر من عقد على الاندحار الإسرائيلي من غزة تحت ضربات المقاومة، تؤكد أن الحاجز بات ذكرى بعد أن تم مسحه من المكان نهائيا حيث كان كالصخرة على صدور من عايشوا عذاباته، قائلة: "ذلك ما كان ليتم لولا المقاومة التي سطرت ملحمة بطولية أرغمت الاحتلال على الانسحاب من القطاع وإنهاء بطشه وسياساته العنصرية وحواجزه".
وفي بداية انتفاضة الأقصى عام 2000 أقام الاحتلال الحاجز الذي أطلق عليه شعبيًا "محفوظة- أبو هولي" على طول الشارع الرئيس صلاح الدين ما بين نهاية مدينتي خانيونس ودير البلح، لاصطياد المقاومين.
أما سائق سيارة الأجرة محمود علام فله ذكرى مصبوغة بالقهر والذل اليومي على الحاجز سيء الصيت، إذ كان يجبره عمله على التنقل يوميًا على الحاجز ومعايشه كافة المجريات التي تحدث فيه.
ويشير علام لـصحيفة فلسطين"، إلى عمليات تفتيش شبه أسبوعيًا لسيارته منها التفتيش عبر الكلاب حيث أوقفت سيارته فيما يعرف بـ"الحلابة" وأخضعت للتفتيش الذاتي والاستجواب من ضباط المخابرات.
ويلفت إلى أنه كان شاهدًا حيًا على اعتقال العديد من المواطنين أثناء عبورهم للحاجز، واقتيادهم لجهات مجهولة، فيما جرى استشهاد بعض المواطنين بعد إطلاق النار عليهم وهم داخل سياراتهم أثناء عبور الحاجز كما كان الحال مع الشهيد سائق سيارة الأجرة هاني أبو بكرة.
ويذكر المواطن صالح حمد أنه كان يمر عبر الحاجز لقضاء مصالح تجارية، وأن ذكرياته لم تكن سوى "ذكرى سوداء"، مشيرا إلى قضائه ساعات طويلة داخل سيارات الأجرة في "رحلة الذهاب والإياب".
ويقول: "كانت السيارات تصطف في طوابير طويلة تمتد أكثر من 5 كيلومتر على الجانبين، في انتظار أن يسمح لها الجنود في الأبراج العسكرية بالمرور، وكانوا يتفننون في تعذيب الناس وقهرهم بإغلاق الحاجز لساعات طويلة، ليبدو الأمر وكأنه يوم الحشر حيث ينتظر الجميع الفرج".
ويؤكد حمد أن كثرًا ممن كانوا يريدون سلوك الحاجز للوصول إلى مصالحهم كانوا يعودون أدراجهم مع المشاهد الأولى الصباحية للحاجز في حال طالت فترات انتظار دخول السيارات، فيما يُفكر الآخرون ألف مرة قبل المغامرة والدخول خشية من الاحتجاز وما يمكن أن تسفر عنه العملية من اعتقال واستجواب، وفي أحسن الأحوال الانتظار لساعات طويلة قبل يجيز جندي يصوب سلاحه نحو المارة بالمغادرة.
ويؤكد حمد أن جميع الغزيين يدينون للمقاومة بما صنعت بإرغامها الاحتلال على الاندحار من قطاع غزة، وإنهاء مأساة الحواجز التي كانوا يتجرعونها بشكل يومي ولسنوات طوال ودون حسيب أو رقيب.