جاءت اعترافات الجنرال ليئور لوتان المسؤول الإسرائيلي السابق عن ملف الأسرى قبل أيام، حين استبعد تحقيق صفقة تبادل أسرى جديدة مع حماس، لتعيد التأكيد على القراءات الإسرائيلية بأن الصفقة ما زالت سابقة لأوانها، لأنها تكشف الثمن الباهظ الذي قد تدفعه إسرائيل، مما يعرض أهدافها الإستراتيجية للخطر، فالنتيجة الطبيعية من تكرار الصفقة مع المقاومة، هو تقوية مواقعها، في الداخل والخارج، وتنامي شعبيتها وجماهيريتها.
لكن إسرائيل في الوقت ذاته في حال التباطؤ بإبرام الصفقة، ستبدو كمن تقلل من أهمية جنودها الموجودين في الأسر، حين تمتنع عن القيام باسترجاعهم، وهو حق طبيعي لهم، وحين توقع على صفقة تبادل، فإن من الطبيعي أن أعداءها الذي يأسرون جنودها ومواطنيها، سيكونون في موقع الرابح الأكبر.
مع أن تلك الصفقة من شأنها أن تظهر تل أبيب كما لو كانت مستعدة للقبول بالتنازل عن كل حقوقها، والخضوع لكل المطالب التي تعلنها حماس، فضلا عن كونها تمس بقوة إسرائيل الردعية، وتعمل على تشجيع المنظمات للقيام بعمليات أسر أخرى، وتخاطر بحياة جنودها الذين قد يقعوا في أسرها.
وبالتالي فأن تضحي إسرائيل بالكثير من أجل استعادة جنودها ومواطنيها، فهذه قيمة إنسانية كبيرة، لكنها قد تترجم سياسياً على أنها خضوع لمطالب المسلحين، الذين قد يرفعوا الثمن المطلوب لتبادل الأسرى.
ويدفع هذا الأمر باتجاه الاعتقاد أن إسرائيل لن تبدو مستعجلة على أن تُبرم صفقة مع حماس، بل ستراهن على الجهد الاستخباري، وهو خيار تأخذه المقاومة بعين الاعتبار، في ظل حديث "لوتان" نفسه عن توفر كمية كبيرة من المعلومات الأمنية لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن ملف الأسرى الإسرائيليين في غزة.
في المقابل، قد تعمد إسرائيل للمزيد من إنهاك المجتمع الفلسطيني في غزة إلى حين موافقة حماس على قبول صفقة "متواضعة"، ويدعم هذا الاحتمال حقيقة فشل إسرائيل حتى اللحظة في الحصول على هدفها رغم كل الوسائل التي اتخذتها، ويبدو أنه الاحتمال الأرجح.
وفي ظل الوضع القائم لا يتوقع حدوث تغيير على الموقف الإسرائيلي بشأن الصفقة، مع عدم اكتراث إسرائيل بفعاليات عائلات الأسرى، واتهامها بتجاهل مصالح الدولة الإستراتيجية، والتركيبة اليمينية المتطرفة لحكومة نتنياهو، والدور الإقليمي والدولي الذي يرفض منح حماس أي "جائزة" في مثل هذا التوقيت الحساس.
ولذلك تسود انطباعات إسرائيلية بأن صفقة التبادل تصب في خدمة حماس، ويجب أن تكون الخيار الأخير، لأنها تحتمل الكثير من المخاطر، مما يشكل كابوساً مخيفاً بنظر الإسرائيليين، خاصة عقب صفقة 2011، ويؤكد أن أوانها ما زال بعيداً عن متناول اليد، وما قد نسمعه من تصريحات وتسريبات لا يعدو "إدارة" للأزمة، وليس حلاً لها.