يكاد لا يخلو بيتٌ من مكان مخصص لأشياء لا قيمة لها، وليس فيها ما يُرجّح استخدامه مستقبلًا، كأدوات منزلية قديمة، أو أجهزة كهربائية معطلة، أو تحف لم يُزيّن بها البيت منذ سنوات، وحتى بقايا بعض الأشياء التي تم التخلص منها، كمسمار أو سلك كهربائي، وإضافة إلى هذا المكان، قد يكون في البيت أماكن أخرى تخص كل فرد على حدة، فهناك من يحتفظ بأشياء قديمة لكونها مرتبطة بذكرى معينة بالنسبة له، وهناك من يفعل ذلك بلا سبب واضح، سوى تفكيره بأنه قد يحتاجها مستقبلًا.
عشرات السنوات
تقول "نهى شعبان" (27 عامًا): "لدي علبة كبيرة نوعا ما أضع فيها أشياء لا أستخدمها مطلقا، أعرف في قرارة نفسي أنني لا أحتاجها، لا اليوم ولا في أي وقت قادم، ومع ذلك فإنني كلما هممت بالتخلص منها أتساءل: (ماذا لو احتجتها؟!)".
وتضيف لـ"فلسطين": "تختلف محتويات هذه العلبة، ففيها قِطع من الملابس القديمة، وبعض (الإكسسوارات) التي فقدت لونها ولم أعد أرتديها، وتحف ودمى كنت أزين بها غرفتي في وقت سابق".
وتتابع: "في السنوات الأخيرة لاحظت أن هذه العادة قد تراجعت عندي، وأصبحت أتخلص من الكثير من الأشياء، ولكنها لم تَزُل تمامًا، ولا أجد تفسيرًا لما أفعله"، لافتة إلى أن البعض يعتبر هذا التصرف دليلًا على البخل والأنانية، بينما هي تتصف بالكرم، والكل يعرف عنها ذلك، وفق حديثها.
الاحتفاظ بالأشياء القديمة هو سلوك تمارسه أحيانًا "أمينة أبو عطا"، ولكنها تفعل ذلك في الأشياء المرتبطة بذكريات معينة فقط، وتتخلص مما لا قيمة معنوية له.
وتوضح: "كل ما يمثل لي ذكرى أحتفظ به، سواء كانت الذكرى جيدة أو مؤلمة، فمثلًا لدي بعض الدمى التي كنت ألعب بها في طفولتي، وساعة يد أهدتني إياها صديقتي المتوفاة".
"رامي عطا" يقول إنه يرى أشياء قديمة في بيته منذ طفولته، ولكنه لم يرها تُستخدم ولو لمرة واحدة، فوالدته اعتادت أن تحتفظ بالكثير من الأشياء التي لم تعد ذات قيمة.
ويضيف: "أغلب هذه الأشياء هي أدوات منزلية تستخدم في الطهو، ففي مطبخ البيت خزانة كاملة يملأ الغبار ما بداخلها، لأنها تكاد تكون لا تُفتَح، فيها آلات مثل الخلاط الذي لا يعمل منذ سنوات، وغيره من الأشياء التي عمرها عشرات السنوات".
ويتابع: "عمري ثلاثون عاما، ولكن بعض هذه الأشياء أكبر مني عمرا، وموجودة في البيت قبل أن أُولد، وكلما سألت أمي عن السبب تردّ بأنها ربما تحتاج شيئا منها في أي وقت، وأنه لا غنى عنها، وتؤكد في كل مرة أنها ستصلح الأشياء المتعطلة لتستخدمها من جديد".
ذكريات أو اضطرابات
وتقول الأخصائية النفسية نيفين الفراحتة: إن التعلق بالأشياء القديمة له عدة أسباب، منها ما يتعلق بالذكريات، أو ما يرجع إلى أسباب نفسية ذات علاقة بطبيعة شخصية الفرد.
وتضيف لـ"فلسطين": "ارتباط شيء ما بذكرى معينة، سواء مفرحة أو محزنة، يدفع الإنسان في كثير من الأحيان إلى الحفاظ على هذا الشيء حتى وإن فقد قيمته المادية، إذ إن قيمته المعنوية ما تزال قائمة، فهو بالنسبة له يدل على موقف عايشه ولن يتكرر، أو يذكره بأشخاص فقدهم بسبب موت أو غربة، وغالبًا ما يحرص الناس على الاحتفاظ بما يذكرهم بالأحداث المؤلمة التي مروا بها لشعورهم بأنهم يجب أن لا ينسوها".
وتتابع: "أما إذا لم يكن للشيء الذي يحتفظ به الفرد قيمة مادية ولا معنوية، فربما يدل ذلك على أنه يتصف بحب التملك والأنانية، فهو يريد بقاء الشيء ملكًا له حتى لو فقد قيمته، بالإضافة إلى أنه إلى غالبًا ما يكون قد تربى على التملك بلا تنازل"، لافتة إلى أن الفرق كبير بين الحالتين.
وترى الفراحتة أن الاحتفاظ بالشيء بلا سبب قد يدل على خلل في الشخصية، ولا بد من الانتباه لمشكلة الأنانية وحب الذات، وعلاجها بإجبار النفس على التنازل عن بعض الأشياء، خاصة تلك التي يمكن أن يستفيد منها الآخرون.
وأكبر من ذلك، فإن "الاحتفاظ بالخردة القهري" هو من أعراض مرض "الوسواس القهري"، والذي لم يجد له العلماء تفسيرًا، ولكن بعضهم يرجح أن يكون هذا الأمر ناتجًا عن "الكفاح المستمر للوصول إلى الكمال والسيطرة على البيئة"، وبحسب المختصين فإنه من الصعب أن يغير هؤلاء المرضى سلوكهم مهما حاول الآخرون إقناعهم، وكذلك فإن "اضطراب الاكتناز القهري" هو من الاضطرابات النفسية النادرة، والتي يمارسها المريض لشعوره بالأمان النفسي عندما يحتفظ بكل شيء معتقدًا أنه سيستفيد منه مستقبلًا.