عاد وفد القائمة المشتركة إلى البلاد بعد سلسلة لقاءات مكثّفة في الاتحاد الأوروبي، شارك في الوفد سبعة من نواب المشتركة: أيمن عودة وجمال زحالقة ومسعود غنايم وأحمد الطيبي وعايدة توما ويوسف جبارين وطلب أبو عرار، والمدير العام لمركز "مساواة" السيد جعفر فرح، وشملت اللقاءات اجتماعًا بالمسؤولة عن الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيوريني، ووزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن، ولقاء كتل برلمانية، وعشرات أعضاء البرلمان الأوروبي، ولجان تخصصية، ومسؤولين كبار في الاتحاد.
كان هدف الزيارة إطلاع الاتحاد الأوروبي على مخاطر "قانون القومية"، وحثه على الضغط على (إسرائيل)، وفرض عقوبات عليها، استنادًا إلى أنّ هذا القانون ينتهك القوانين والقرارات الدولية، ويتناقض هو ومبادئ ومواثيق الاتحاد، ويشكل خرقًا موثقًا للاتفاقيات التي عقدها مع (إسرائيل).
لم نتوهم أننا سنغيّر موقف الاتحاد الأوروبي في زيارة واحدة، هذا الأمر صعب في دولة منفردة، فما بالك بمؤسسة بيروقراطية مركّبة مثل هذا الاتحاد فيها 28 دولة، لها سياسات ومصالح غير منسجمة في كثير من القضايا، ومنها القضية الفلسطينية؟!
لقد واجهنا خلال الزيارة جهاز دولة لديها 30 موظّفًا، وجيش من المهنيين، يعملون من سنين طويلة على مدار السنة على الترويج للموقف الإسرائيلي في مؤسسات الاتحاد الكبرى: البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد والمفوضية الأوروبية، مقابل ذلك هناك ضعف عربي غير مسبوق أدّى إلى انتقال عدد من دول أوروبا إلى انحياز تام لمصلحة (إسرائيل)، وبالأخص دول شرق أوروبا، ومنها بولندا وهنغاريا وتشيكيا ورومانيا ولاتفيا ولتوانيا وغيرها.
وأهمية الموضوع أن القرارات في الكثير من مؤسسات الاتحاد الأوروبي تتخذ بالإجماع، وهذه الدول كثيرًا ما تعطّل، لقد استمعنا من مسؤول أوروبي رفيع المستوى وصديق لفلسطين إلى شكوى، من أن علاقة نتنياهو بالدول العربية تستثمر أوروبيًّا للادعاء بأنه من غير المعقول أن تكون أوروبا "عربية أكثر من العرب"، ومع ذلك موقفنا هذه المرة كان قويًّا جدًّا إذ لدينا الدليل القاطع على ما نقول، وهو وثيقة إدانة لـ(إسرائيل) تسمّى "قانون القومية اليهودية"، سنّه الكنيست، وهو عبارة عن قانون كولونيالي عنصري يحمل كل مميزات "الأبرتهايد"، وقلنا للأوروبيين: اقرؤوا واحكموا بأنفسكم.
أستطيع القول إن أداء وفد المشتركة كان جيّدًا، واستطعنا إيصال رسالتنا بشكل رصين وجدّي ومؤثّر، ولمسنا تفهمًا وتعاطفًا مع موقفنا، ولم يكن هناك شك عند أحد ممن قابلناهم في أن "قانون القومية" هو قانون عنصري ومرفوض، النقاش كان بشأن ما العمل لمواجهته، وهنا اتخذ وفد المشتركة إستراتيجية الاستناد إلى المبادئ المعلنة للاتحاد الأوروبي، ومطالبته بالعمل على وفقها، إذ ينص البند الثاني لاتفاقية الشراكة الاقتصادية مع (إسرائيل) على ضرورة احترام حقوق الإنسان، لقد قدمنا نسخة مترجمة من "قانون القومية" دليلًا ملموسًا على خرق هذا البند، مطالبين أوروبا بتجميد الاتفاقية، ووقف المفاوضات الجارية لرفع مستواها، حتى إلغاء القانون على الأقل.
وحمل الوفد معه المواثيق والبيانات الأوروبية بشأن حقوق "الأقليات القومية والأصلانية"، وطالبنا بأن تعترف بنا أوروبا "أقلية قومية أصلانية" على أساسها، ما يشمل إقامة علاقات فعلية مباشرة معنا وعقد اجتماعات دورية مع القيادة السياسية للمجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر، وكان من الواضح للجميع أن "قانون القومية" يتناقض هو والموقف الأوروبي من الاحتلال والقدس والاستيطان وحق تقرير المصير، ويغلق الباب أمام أي حل سياسي، وعلى أوروبا أن تتحرك لحماية موقفها هي.
تجربتنا حتى الآن في العمل على الساحة الدولية محدودة، ونحن مصممون على تحويلها إلى أداة مركزية في نضالنا، وسيكون لها قوّة أكبر وتأثير أكبر تبعًا لتصعيد النضال الشعبي، فالعالم لن يقف معك، إذا لم تقف أنت مع نفسك، لاشك أننا سوف نستخلص العبر من هذه الزيارة، لتشخيص نقاط القوّة ونقاط الضعف، أين وفّقنا وأين أخطأنا، كنّا نعرف سلفًا أن الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي هو "احترام الشأن الداخلي للدول"، ولكننا ذكّرنا الأوروبيين بالمبدأ الذي دعموه بأنفسهم، وهو أن "العنصرية ليست شأنًا داخليًّا"، وكان في الموقف الأوروبي تخبط إذ يقولون لنا شيئًا في الاجتماعات المغلقة، ويخرجون للإعلام بموقف مخالف، أمّا تصريح السيدة موغيوريني بعد الاجتماع بها فقد جاء نتيجة ضغوط هائلة لـ(إسرائيل) وحلفائها في الاتحاد الأوروبي، استغلّت فيها بعض الهفوات الإعلامية، الفائضة عن الحاجة، لقد حمّل هذا البيان وزنًا أكبر مما هو عليه؛ فهو بمضمونه ليس جديدًا، وهو الموقف الأوروبي الرسمي، وكرر في بيان لا يعكس حقيقة ما كان في اللقاء.
هنا بالضبط يقع ما نريد وما نطلب من الأوروبيين، وهو أن يهجروا موقف الصمت عن ممارسات (إسرائيل) العنصرية بادعاء "الشأن الداخلي"، لقد لقيت اجتماعاتنا في البرلمان الأوروبي نجاحًا ملحوظًا حيث كانت المشاركة واسعة وحيث لمسنا تجاوبًا ودعمًا لمطالبنا، ومن الواضح أنّ هناك قوى جدية في الاتحاد الأوروبي توافقنا في الرأي، وسيكون لها تحرّك في مؤسسات الاتحاد الأوروبي بهذا الاتجاه.
لقد طرحنا أمام الأوروبيين ضرورة إصدار إدانة بخصوص "قانون القومية"، وأيضًا طالبنا بدعم قرارات صدرت عن الأمم المتحدة، مثل إدانة (إسرائيل) وتجميد عضويتها، بعد أن توافر الدليل على خرق (إسرائيل) لميثاق الأمم المتحدة ووثيقة قبول عضويتها فيها، هناك من قال إنه يؤيّد، وهناك من قال إنه سيدرس، وهناك من رفض التعبير عن موقفه، لكن من المهم الإشارة إلى أن دول الاتحاد الأوروبي تصوّت كل على حدة في الأمم المتحدة، ولذا إنّ ما قمنا به يساهم في دفعها إلى دعم مبادرة اتخاذ قرار دولي في الأمم المتحدة ضد (إسرائيل) بسبب "قانون القومية".
سنتوجه قريبًا إلى جامعة الدول العربية ولقاء مسؤولين فيها، بهدف إطلاعهم على خطورة القانون، وتذكيرهم بضرورة أن يقوموا بدورهم في هذا الشأن، كما ستتوجه وفود للمشتركة إلى الديمقراطيين في الكونغرس الأميركي، وكذلك إلى المفوضية الأممية لحقوق الإنسان في جنيف، وستعقد لقاءات كثيرة مع مسؤولين وأحزاب ومؤسسات في دول عديدة، منها بريطانيا وفرنسا وروسيا وغيرها.
العمل على المستوى الدولي له قواعده وإيقاعه وله حيثياته وسياقاته وبحاجة إلى طاقات هائلة، خاصة أننا نواجه جهاز دولة منظمًا، لديه طاقات وموارد هائلة، لكن لدينا أمر مهم جدًّا تفتقده (إسرائيل)، وهو أننا على حقّ.