فلسطين أون لاين

​هولوكوست مع قطع الفتات الأمريكي

...

كارثة الهولوكوست التي وقعت على اليهود أيام الحكم النازي حظيت بتعاطف غربي كبير وبطريقة لم تحظَ بها أية كارثة لا من قبل ولا من بعد، ولليوم تدفع ألمانيا تعويضات سنوية عن هذه الكارثة وقد دخلت عمق الثقافة الغربية وكل من يقلل من شأنها أو يطرح أرقامًا غير الأرقام التي يريدها اليهود فإنه يعتبر معاديًا للسامية ومنكرًا لحقوق الإنسانية كلها.

ما جرى للفلسطينيين من تهجير وتطهير عرقي وطردهم من مدنهم وقراهم من خلال ارتكاب المجازر والترويع ثم إحلال من جاؤوا من كل أصقاع الأرض ليسكنوا مساكنهم وبيوتهم ويزرعوا أرضهم ويتمتعوا بخيراتها، كارثة أيضًا ما بعدها كارثة.

ولكننا اعتدنا الكيل بمكيالين، فترامب وعلانية وبملء فِيه يقلّص اللاجئين الفلسطينيين من ستة ملايين إلى نصف مليون، هو يناقض نفسه حتى لو بقي ممن شهد الكارثة نصف مليون ألا تعتبر هذه جريمة نكراء؟ هناك مشكلة في منظومة القيم التي يتمتع بها هؤلاء، إذا وقعت الجريمة على من يحبون وتميل إليه افئدتهم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، أما إذا كانت الجريمة على جنس آخر من البشر فإننا لا نرى منهم إلا التهميش واللا مبالاة.. هناك هولوكوست وقعت على اليهود وهناك هولوكوست وقعت على الفلسطينيين فأين هذه من تلك في قيمهم العرجاء؟

هناك يعترفون أولًا بالجريمة ولا يجرؤ أحد على أن يمس بركن من أركانها، ويتبنون رواية الضحية بالكامل بعيدًا عن التحقيق التاريخي العلمي الصحيح، ونحن ليس لنا ناقة ولا بعير في إثبات أو دحض أي جزء من أجزاء هذه الرواية، بل بالعكس لا يمكن إلا أن نقف بكل مشاعرنا مع الذين ظلموا، وهذه قيمة أصيلة من قيمنا أن نقف في وجه الظلم والظالمين أيًّا كان وأيًّا كانت وجهته.. ولكن يحق لنا أن نحاكم قيم هذا العالم الذي يدعي قيم الحرية وحقوق الإنسان ونسأل: أين أنتم مما جرى في فلسطين على يد الحركة الصهيونية؟ هناك النازية وهنا الصهيونية قد قامت بنفس الجريمة؟

هناك يدفعون التعويضات ونحن نتعرض للتهديدات الأمريكية بوقف دعمها لوكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين، وللعلم ما تدفعه هذه الوكالة للفلسطنيين هو جزء يسير جدًا من ما على "إسرائيل أن تدفعه من حق التعويض عن أراضينا المسلوبة والتي تستغل في الزراعة أبشع استغلال من سنة ثمانٍ وأربعين إلى اليوم. وماذا عن العقارات الهائلة التي صورت من المدن الفلسطينية التي طهروها عرقيًّا، وماذا عن المياه الفلسطينية وماذا وماذا...؟

وكالة الغوث وما تدفعه قطرة يسيرة في حلق الفلسطيني اللاجئ المنكوب مجرد فتات من موائد اللئام، أما إذا فتحنا باب الحقوق اللازمة فإننا نفتح سجلًا كبيرًا أوله ما تنتجه الأرض المسلوبة وآخره لا شيء يعوضه إلا العودة والتعويض الكامل بما يشمل سنوات الحرمان الطويلة وما أنتجته أرضنا المسلوبة، ولقد قامت الوكالة مع دورها الإنساني بدور المسكّن للألم والذي جعله يطول كثيرا، أما التعويض العادل للفلسطيني فهذا رقم كبير يفوق كثيرا ميزانيات الوكالة المتواضعة مع التأكيد أن التعويض العادل يأتي مع العودة دون أن يكون بديلًا عنها في أي حال من الأحوال.