قال مراقبون سياسيون إن السلطة برئاسة محمود عباس، تهدف من وراء إجراءاتها العقابية على غزة إلى فصل القطاع عن الضفة الغربية المحتلة، وأنها منذ فرضها في أبريل/نيسان 2017، لم تحقق شيئًا من أهدافها سوى المزيد من التداعيات الخطيرة للأوضاع الإنسانية لأكثر من مليوني مواطن.
وقال المحلل السياسي عماد محسن، إن السلطة تدفع أهالي القطاع بالقوة الجبرية إلى الانفصال عن الوطن بالضغط بشدة على المواطن والمسؤول والمقاوم، وإجبارهم على البحث عن خيارات أخرى غير مرتبطة بالوحدة الترابية الفلسطينية، ووحدة النظام السياسي، وهذه الخيارات قد تفضي إلى إعلان "صفقة القرن" التي تقبلها السلطة دون أن تعلن ذلك.
والسلطة تريد الواقع الأمني في غزة كما الضفة، حيث بإمكان جيبات جيش الاحتلال التحرك في المناطق التي تسيطر عليها السلطة، وتعتقل من تشاء وقت ما تشاء، وليس كما الحال في قطاع غزة عندما تقترب هذه الآليات تواجه بالقوة الفلسطينية التي تحول بينها وبين العدوان على الشعب الفلسطيني، كما يقول محسن لصحيفة "فلسطين".
وأشار إلى أن "السلطة بدلاً من ذلك، تمارس كل أشكال القهر بحق الغزِّيين ثم عندما يبحث هؤلاء عن فرصة حياة أو بارقة أمل تتهمهم بأنهم يسعون إلى تحقيق الانفصال، وهذا منطق مغلوط".
وعد أن الأصل رفع العقوبات كاملة عن غزة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل الكل، وتأسيس مجلس وطني جامع يوحد الفلسطينيين على برنامج حده الأدنى يضمن الكفاح الشعبي في مواجهة الاحتلال، ومواجهة المؤامرات على القضية الفلسطينية وأبرزها صفقة القرن، وكذلك قرارات الإدارة الأمريكية بحق القدس الأونروا واللاجئين الفلسطينيين وحق العودة.
وكانت قيادات في السلطة وحركة فتح توعدت قطاع غزة بمزيد من الإجراءات العقابية في حال الاتفاق بوساطة مصرية على تثبيت اتفاق 2014 لوقف إطلاق النار مع جيش الاحتلال، إبان الحرب العدوانية الثالثة على القطاع.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت نشأت الأقطش، أن السلطة الفلسطينية ترى في حركة حماس منافس قوي لها بقيادتها مفاوضات غير مباشرة مع الاحتلال بوساطة مصرية، لذلك تصر السلطة على استمرار إجراءاتها العقابية على غزة مركز حركة حماس، وتلوح بعقوبات جديدة بدافع الإخضاع.
ورأى الأقطش في اتصال هاتفي مع صحيفة "فلسطين" أن "سلطات الاحتلال الإسرائيلي والأنظمة العربية بلا استثناء يضغطون على حركة حماس لحشرها في الزاوية؛ لتحقيق هدف (إسرائيل) بالحصول على تهدئة لها مصلحة كبرى منها".
ولفت إلى أن "الصهيونية العالمية" تقود مشروع في العالم هدفه الوصول إلى ما ترغب به (إسرائيل)، ويتلخص ذلك في جعل الفلسطينيين بلا أي خيارات سياسية تمكنهم من المناورة أو المواجهة، ومن ثم مقايضتهم على الوجود والغذاء مقابل الاعتراف بحق (إسرائيل) في الوجود، وهذا اعتراف تاريخي تحلم فيه دولة الاحتلال.
ورأى الأقطش أن "السلطة جزء من العملية، وتريد من حماس أن تعترف كما فعلت فتح والمنظمة؛ بذات الآليات التي تمارسها (إسرائيل) وحلفائها".
تآكل السلطة
في حين يعتقد مدير مركز فلسطيني للدراسات الاستراتيجية إياد الشوربجي، أن رئيس السلطة محمود عباس لديه برنامج يتناقض تمامًا مع برنامج المقاومة، ولا يؤمن بها مطلقًا، بل بالتسوية والمفاوضات التي تعطلت تمامًا منذ سنوات بفعل استمرار انتهاكات الاحتلال.
وأكد أن السلطة الفلسطينية لم تحقق أهدافها التي لأجلها فرضت الإجراءات العقابية قبل ما يزيد على عام من الآن، وما حققته هو تآكل صورتها وسمعتها لدى الشعب الفلسطيني، إلا أن ذلك يعني أن قيادة السلطة تريد إخضاع غزة، وكذلك الخصوم الذين يشكلون جزءًا من الحالة السياسية في القطاع.
ولفت الشوربجي إلى أن السلطة لا تحتمل أي نوع من المعارضة سواء كانت سياسية حقيقية أو شكلية، وما تقبله كمعارضة مجرد ديكور لتزيين النظام السياسي الذي تحكمه عقلية الفرد الواحد.
ويواجه قطاع غزة أزمة حادة في نقص السيولة وتراجع دورة المال إثر خصم السلطة 30-50% من رواتب موظفي السلطة وإحالة الآلاف منهم في قطاع غزة التقاعد الإجباري المبكر، كما يواجه القطاع عقبات في المجال الصحي بفعل وقف التحويلات الطبية لفترة طويلة، وعدم التزامها بدفع الموازنات التشغيلية للوزارات في غزة.